القرآن الكريم » تفسير القرطبي » سورة المنافقون

خيارات حفظ الصفحة والطباعة

حفظ الصفحة بصيغة ووردحفظ الصفحة بصيغة النوت باد أو بملف نصيحفظ الصفحة بصيغة htmlطباعة الصفحة
إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) (المنافقون) mp3
رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ زَيْد بْن أَرْقَم قَالَ : كُنْت مَعَ عَمِّي فَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ اِبْن سَلُول يَقُول : " لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْد رَسُول اللَّه حَتَّى يَنْفَضُّوا " . وَقَالَ : " لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَة لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ " فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعَمِّي فَذَكَرَ عَمِّي لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَأَصْحَابه فَحَلَفُوا مَا قَالُوا ; فَصَدَّقَهُمْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي . فَأَصَابَنِي هَمّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْله , فَجَلَسْت فِي بَيْتِي فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : " إِذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ - إِلَى قَوْله - هُمْ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْد رَسُول اللَّه - إِلَى قَوْله - لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ " فَأَرْسَلَ إِلَيَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّ اللَّه قَدْ صَدَّقَك ) خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ زَيْد بْن أَرْقَم قَالَ : غَزَوْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَعَنَا أُنَاس مِنْ الْأَعْرَاب فَكُنَّا نَبْدُر الْمَاء , وَكَانَ الْأَعْرَاب يَسْبِقُونَا إِلَيْهِ فَيَسْبِق الْأَعْرَابِيّ أَصْحَابه فَيَمْلَأ الْحَوْض وَيَجْعَل حَوْل حِجَارَة , وَيَجْعَل النِّطْع عَلَيْهِ حَتَّى تَجِيءَ أَصْحَابه . قَالَ : فَأَتَى رَجُل مِنْ الْأَنْصَار أَعْرَابِيًّا فَأَرْخَى زِمَام نَاقَته لِتَشْرَب فَأَبَى أَنْ يَدَعهُ , فَانْتَزَعَ حَجَرًا فَغَاضَ الْمَاء ; فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيّ خَشَبَة فَضَرَبَ بِهَا رَأْس الْأَنْصَارِيّ فَشَجَّهُ , فَأَتَى عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ رَأْس الْمُنَافِقِينَ فَأَخْبَرَهُ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابه - فَغَضِبَ عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ ثُمَّ قَالَ : لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْد رَسُول اللَّه حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْله - يَعْنِي الْأَعْرَاب - وَكَانُوا يَحْضُرُونَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد الطَّعَام ; فَقَالَ عَبْد اللَّه : إِذَا اِنْفَضُّوا مِنْ عِنْد مُحَمَّد فَأْتُوا مُحَمَّدًا بِالطَّعَامِ , فَلْيَأْكُلْ هُوَ وَمَنْ عِنْده . ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : لَئِنْ رَجَعْتُمْ إِلَى الْمَدِينَة لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ . قَالَ زَيْد : وَأَنَا رِدْف عَمِّي فَسَمِعْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ فَأَخْبَرْت عَمِّي , فَانْطَلَقَ فَأَخْبَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَفَ وَجَحَدَ . قَالَ : فَصَدَّقَهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي . قَالَ : فَجَاءَ عَمِّي إِلَيَّ فَقَالَ : مَا أَرَدْت إِلَى أَنْ مَقَتَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَك وَالْمُنَافِقُونَ . قَالَ : فَوَقَعَ عَلَيَّ مِنْ جُرْأَتهمْ مَا لَمْ يَقَع عَلَى أَحَد . قَالَ : فَبَيْنَمَا أَنَا أَسِير مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَر قَدْ خَفَّفْت بِرَأْسِي مِنْ الْهَمّ إِذْ أَتَانِي رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي ; فَمَا كَانَ يَسُرّنِي أَنَّ لِي بِهَا الْخُلْد فِي الدُّنْيَا . ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْر لَحِقَنِي فَقَالَ : مَا قَالَ لَك رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت : مَا قَالَ شَيْئًا إِلَّا أَنَّهُ عَرَكَ أُذُنِي وَضَحِكَ فِي وَجْهِي ; فَقَالَ أَبْشِرْ ! ثُمَّ لَحِقَنِي عُمَر فَقُلْت لَهُ مِثْل قَوْلِي لِأَبِي بَكْر . فَلَمَّا أَصْبَحْنَا قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُورَة الْمُنَافِقِينَ . قَالَ أَبُو عِيسَى : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . وَسُئِلَ حُذَيْفَة بْن الْيَمَان عَنْ الْمُنَافِق , فَقَالَ : الَّذِي يَصِف الْإِسْلَام وَلَا يَعْمَل بِهِ . وَهُوَ الْيَوْم شَرّ مِنْهُمْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُمُونَهُ وَهُمْ الْيَوْم يُظْهِرُونَهُ . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( آيَة الْمُنَافِق ثَلَاث إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اُؤْتُمِنَ خَانَ ) . وَعَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَرْبَع مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَة مِنْهُنَّ كَانَ فِيهِ خَصْلَة مِنْ النِّفَاق حَتَّى يَدَعهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ) . أَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِصَال كَانَ مُنَافِقًا , وَخَبَره صِدْق . وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيث فَقَالَ : إِنَّ بَنِي يَعْقُوب حَدَّثُوا فَكَذَبُوا وَوَعَدُوا فَأَخْلَفُوا وَاُؤْتُمِنُوا فَخَانُوا . إِنَّمَا هَذَا الْقَوْل مِنْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيل الْإِنْذَار لِلْمُسْلِمِينَ , وَالتَّحْذِير لَهُمْ أَنْ يَعْتَادُوا هَذِهِ الْخِصَال ; شَفَقًا أَنْ تَقْضِيَ بِهِمْ إِلَى النِّفَاق . وَلَيْسَ الْمَعْنَى : أَنَّ مَنْ بَدَرَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْخِصَال مِنْ غَيْر اِخْتِيَار وَاعْتِيَاد أَنَّهُ مُنَافِق . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " التَّوْبَة " الْقَوْل فِي هَذَا مُسْتَوْفًى وَالْحَمْد لِلَّهِ . وَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( الْمُؤْمِن إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ وَإِذَا وَعَدَ أَنْجَزَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ وَفَّى ) . وَالْمَعْنَى : الْمُؤْمِن الْكَامِل إِذَا حَدَّثَ صَدَقَ . وَاَللَّه أَعْلَم .

قِيلَ : مَعْنَى " نَشْهَد " نَحْلِف . فَعَبَّرَ عَنْ الْحَلِف بِالشَّهَادَةِ ; لِأَنَّ كُلّ وَاحِد مِنْ الْحَلِف وَالشَّهَادَة إِثْبَات لِأَمْرٍ مُغَيَّب ; وَمِنْهُ قَوْل قَيْس بْن ذُرَيْح . وَأَشْهَد عِنْد اللَّه أَنِّي أُحِبّهَا فَهَذَا لَهَا عِنْدِي فَمَا عِنْدهَا لِيَا وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون ذَلِكَ مَحْمُولًا عَلَى ظَاهِره أَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِعْتِرَافًا بِالْإِيمَانِ وَنَفْيًا لِلنِّفَاقِ عَنْ أَنْفُسهمْ , وَهُوَ الْأَشْبَه .

كَمَا قَالُوهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ .

أَيْ فِيمَا أَظْهَرُوا مِنْ شَهَادَتهمْ وَحَلِفهمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ .

وَقَالَ الْفَرَّاء : " وَاَللَّه يَشْهَد إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ " بِضَمَائِرِهِمْ , فَالتَّكْذِيب رَاجِع إِلَى الضَّمَائِر . وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَان تَصْدِيق الْقَلْب , وَعَلَى أَنَّ الْكَلَام الْحَقِيقِيّ كَلَام الْقَلْب . وَمَنْ قَالَ شَيْئًا وَاعْتَقَدَ خِلَافه فَهُوَ كَاذِب . وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي أَوَّل " الْبَقَرَة " مُسْتَوْفًى وَقِيلَ : أَكْذَبَهُمْ اللَّه فِي أَيْمَانهمْ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى : " يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ " [ التَّوْبَة : 56 ] .

كتب عشوائيه

  • أطايب الجنىأطايب الجنى: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن من توفيق الله وتيسيره أن جعل هذا العصر عصر التقنيات العالية، وجعلها من وسائل نشر الخير والعلم لمن أراد. وأحببت أن أدلو بدلو، وأسهم بسهم في هذا المجال؛ عبر جوال: «أطايب الجنى» فكتبت مادتها وانتقيتها، والتقطتها بعناية - كما يلتقط أطايب الثمر - وطرزتها وجملتها بكتابات أدبية رائقة .. وأحسب أنها مناسبة لكافة شرائح المجتمع».

    المؤلف : عبد الملك القاسم

    الناشر : دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/345922

    التحميل :

  • الأسباب التي يعتصم بها العبد من الشيطانالأسباب التي يعتصم بها العبد من الشيطان : فقد جمعت في هذه الرسالة ما أمكن جمعه من الأسباب التي يعتصم بها العبد من الشيطان، وبيان مظاهر عداوته، وبيان مداخله التي منها الغضب والشهوة والعجلة وترك التثبت في الأمور وسوء الظن بالمسلمين والتكاسل عن الطاعات وارتكاب المحرمات.

    المؤلف : عبد الله بن جار الله بن إبراهيم الجار الله

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/209170

    التحميل :

  • نظم الورقات للعمريطينظم الورقات للعمريطي: وهو متن مختصر جداً تكلم فيه المؤلف - رحمه الله - على خمسة عشر باباً من أبواب أصول الفقه وهي: أقسام الكلام، الأمر، النهي، العام والخاص، المجمل والمبين، الظاهر والمؤول، الأفعال، الناسخ والمنسوخ، الإجماع، الأخبار، القياس، الحظر والإباحة، ترتيب الأدلة، المفتي، أحكام المجتهدين.

    الناشر : دار الصميعي للنشر والتوزيع

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/286768

    التحميل :

  • رؤية استراتيجية في القضية الفلسطينيةرؤية استراتيجية في القضية الفلسطينية: قال الشيخ - حفظه الله - في مقدمة الرسالة: «يعيش إخواننا في فلسطين هذه الأيام مرحلة عصيبة من تاريخهم، فالاستكبار اليهودي قد بلغ أوجّه، وكشف شارون عن وجه بني صهيون الحقيقي، فالقتل، والتشريد وهدم المنازل والحصار الاقتصادي الرهيب، وخامسة الأثافي: الخذلان المخزي من لدن المسلمين عامة والعرب خاصة لإخوانهم في فلسطين، كل هذه الأحوال تطرح سؤالاً مهمًّا؟ هل لهذا الأمر من نهاية؟ وهل لهذه البليَّة من كاشفة؟ ويتحدَّد السؤال أكثر: أين المخرج؟ وما هو السبيل؟ وبخاصة وقد بلغ اليأس مبلغه في نفوس كثير من المسلمين وبالأخصّ إخواننا في فلسطين، وأصبح التشاؤم نظرية يُروِّج لها البعض، مما زاد النفوس إحباطًا، والهمم فتورًا».

    المؤلف : ناصر بن سليمان العمر

    الناشر : موقع المسلم http://www.almoslim.net

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/337575

    التحميل :

  • قواعد وفوائد في تزكية النفسقواعد وفوائد في تزكية النفس: ذكر المؤلف في هذا الكُتيِّب 227 فائدة وقاعدة مُتنوعة في السلوك وتزكية النفوس.

    المؤلف : سلطان بن عبد الله العمري

    المصدر : http://www.islamhouse.com/p/287901

    التحميل :

اختر التفسير

اختر سوره

كتب عشوائيه

اختر اللغة

المشاركه

Bookmark and Share