القرآن الكريم » تفسير القرطبي » سورة الجن
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) (الجن) 
فِيهِ خَمْس مَسَائِل : الْأُولَى : " قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ " أَيْ قُلْ يَا مُحَمَّد لِأُمَّتِك : أَوْحَى اللَّه إِلَيَّ عَلَى لِسَان جِبْرِيل " أَنَّهُ اِسْتَمَعَ " إِلَيَّ " نَفَر مِنْ الْجِنّ " وَمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام عَالِمًا بِهِ قَبْل أَنْ أُوحَى إِلَيْهِ . هَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره عَلَى مَا يَأْتِي .
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة "أُحِيَ " عَلَى الْأَصْل ; يُقَال أَوْحَى إِلَيْهِ وَوَحَى , فَقُلِبَتْ الْوَاو هَمْزَة , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا الرُّسُل أُقِّتَتْ " [ الْمُرْسَلَات : 11 ] وَهُوَ مِنْ الْقَلْب الْمُطْلَق جَوَازه فِي كُلّ وَاو مَضْمُومَة . وَقَدْ أَطْلَقَهُ الْمَازِنِيّ فِي الْمَكْسُورَة أَيْضًا كَإِشَاحٍ وَإِسَادَة وَإِعَاءِ أَخِيهِ وَنَحْوه .
الثَّانِيَة وَاخْتُلِفَ هَلْ رَآهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا ؟ فَظَاهِر الْقُرْآن يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " اِسْتَمَعَ " , وَقَوْله تَعَالَى : " وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نَفَرًا مِنْ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن " [ الْأَحْقَاف : 29 ] .
وَفِي صَحِيح مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَا قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنّ وَمَا رَآهُمْ , اِنْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَة مِنْ أَصْحَابه عَامِدِينَ إِلَى سُوق عِكَاظ , وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِين وَبَيْنَ خَبَر السَّمَاء , وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُب , فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِين إِلَى قَوْمهمْ ; فَقَالُوا : مَا لَكُمْ ؟ قَالُوا : حِيلَ بَيْننَا وَبَيْنَ خَبَر السَّمَاء , وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُب ! قَالُوا : مَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ شَيْء حَدَثَ , فَاضْرِبُوا مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا , فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَال بَيْننَا وَبَيْنَ خَبَر السَّمَاء ؟ فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا , فَمَرَّ النَّفَر الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْو تِهَامَة وَهُوَ بِنَخْلَةٍ عَامِدِينَ إِلَى سُوق عُكَاظ , وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفَجْر ; فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآن اِسْتَمَعُوا لَهُ وَقَالُوا : هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْننَا وَبَيْنَ خَبَر السَّمَاء . فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمهمْ فَقَالُوا : يَا قَوْمنَا : " إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْد فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِك بِرَبِّنَا أَحَدًا " فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اِسْتَمَعَ نَفَر مِنْ الْجِنّ " : رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَوْل الْجِنّ لِقَوْمِهِمْ : " لَمَّا قَامَ عَبْد اللَّه يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا " قَالَ : لَمَّا رَأَوْهُ يُصَلِّي وَأَصْحَابه يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ فَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ قَالَ : تَعَجَّبُوا مِنْ طَوَاعِيَة أَصْحَابه لَهُ , قَالُوا لِقَوْمِهِمْ : " لَمَّا قَامَ عَبْد اللَّه يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا " [ الْجِنّ : 19 ] . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح ; فَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَرَ الْجِنّ وَلَكِنَّهُمْ حَضَرُوهُ , وَسَمِعُوا قِرَاءَته . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجِنّ كَانُوا مَعَ الشَّيَاطِين حِينَ تَجَسَّسُوا الْخَبَر بِسَبَبِ الشَّيَاطِين لَمَّا رُمُوا بِالشُّهُبِ . وَكَانَ الْمَرْمِيُّونَ بِالشُّهُبِ مِنْ الْجِنّ أَيْضًا .
وَقِيلَ لَهُمْ شَيَاطِين كَمَا قَالَ : " شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ " [ الْأَنْعَام : 112 ] فَإِنَّ الشَّيْطَان كُلّ مُتَمَرِّد وَخَارِج عَنْ طَاعَة اللَّه . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ الْجِنّ يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاء يَسْتَمِعُونَ إِلَى الْوَحْي فَإِذَا سَمِعُوا الْكَلِمَة زَادُوا فِيهَا تِسْعًا , فَأَمَّا الْكَلِمَة فَتَكُون حَقًّا , وَأَمَّا مَا زَادُوا فِيهَا , فَيَكُون بَاطِلًا . فَلَمَّا بُعِثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مَقَاعِدهمْ , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ وَلَمْ تَكُنْ النُّجُوم يُرْمَى بِهَا قَبْل ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيس : مَا هَذَا الْأَمْر إِلَّا مِنْ أَمْر قَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْض ! فَبَعَثَ جُنُوده فَوَجَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ - أَرَاهُ قَالَ بِمَكَّة - فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ : هَذَا الْحَدِيث الَّذِي حَدَثَ فِي الْأَرْض . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْجِنّ رُمُوا كَمَا رُمِيَتْ الشَّيَاطِين . وَفِي رِوَايَة السُّدِّيّ : إِنَّهُمْ لَمَّا رُمُوا أَتَوْا إِبْلِيس فَأَخْبَرُوهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرهمْ فَقَالَ : اِيتُونِي مِنْ كُلّ أَرْض بِقَبْضَةٍ مِنْ تُرَاب أَشُمّهَا فَأَتَوْهُ فَشَمَّ فَقَالَ : صَاحِبكُمْ بِمَكَّة . فَبَعَثَ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ , قِيلَ : كَانُوا سَبْعَة . وَقِيلَ : تِسْعَة مِنْهُمْ زَوْبَعَة .
وَرَوَى أَيْضًا عَاصِم عَنْ زِرّ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَة نَفَر ; ثَلَاثَة مِنْ أَهْل حَرَّان وَأَرْبَعَة مِنْ أَهْل نَصِيبِين . وَحَكَى جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك : أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَة مِنْ أَهْل نَصِيبِين ( قَرْيَة بِالْيَمَنِ غَيْر الَّتِي بِالْعِرَاقِ ) . وَقِيلَ : إِنَّ الْجِنّ الَّذِينَ أَتَوْا مَكَّة جِنّ نَصِيبِين , وَاَلَّذِينَ أَتَوْهُ بِنَخْلَةٍ جِنّ نِينَوَى . وَقَدْ مَضَى بَيَان هَذَا فِي سُورَة ( الْأَحْقَاف ) . قَالَ عِكْرِمَة : وَالسُّورَة الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك " [ الْعَلَق : 1 ] وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " الْأَحْقَاف " التَّعْرِيف بِاسْمِ النَّفَر مِنْ الْجِنّ , فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ .
وَقِيلَ : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ وَهُوَ أَثْبَت ; رَوَى عَامِر الشَّعْبِيّ قَالَ : سَأَلْت عَلْقَمَة هَلْ كَانَ اِبْن مَسْعُود شَهِدَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْجِنّ ؟ فَقَالَ عَلْقَمَة : أَنَا سَأَلْت اِبْن مَسْعُود فَقُلْت : هَلْ شَهِدَ أَحَد مِنْكُمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْجِنّ ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة فَفَقَدْنَاهُ , فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَة وَالشِّعَاب , فَقُلْنَا اُسْتُطِيرَ أَوْ اُغْتِيلَ , قَالَ : فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَة بَاتَ بِهَا قَوْم , فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا هُوَ يَجِيء مِنْ قِبَل حِرَاء , فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه ! فَقَدْنَاك وَطَلَبْنَاك فَلَمْ نَجِدك , فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَة بَاتَ بِهَا قَوْم ; فَقَالَ : [ أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبْت مَعَهُ فَقَرَأْت عَلَيْهِمْ الْقُرْآن ] فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارهمْ وَآثَار نِيرَانهمْ , وَسَأَلُوهُ الزَّاد وَكَانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَة , فَقَالَ : ( لَكُمْ كُلّ عَظْم ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ يَقَع فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَر مَا يَكُون لَحْمًا , وَكُلّ بَعْرَة عَلَف لِدَوَابِّكُمْ - فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا , فَإِنَّهُمَا طَعَام إِخْوَانكُمْ الْجِنّ ) قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَابْن مَسْعُود أَعْرَف مِنْ اِبْن عَبَّاس ; لِأَنَّهُ شَاهَدَهُ وَابْن عَبَّاس سَمِعَهُ وَلَيْسَ الْخَبَر كَالْمُعَايَنَةِ .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْجِنّ أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفْعَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا بِمَكَّة وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا اِبْن مَسْعُود , وَالثَّانِيَة بِنَخْلَةٍ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا اِبْن عَبَّاس . قَالَ الْبَيْهَقِيّ : الَّذِي حَكَاهُ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس إِنَّمَا هُوَ فِي أَوَّل مَا سَمِعَتْ الْجِنّ قِرَاءَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِمَتْ بِحَالِهِ , وَفِي ذَلِكَ الْوَقْت لَمْ يَقْرَأ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَهُمْ كَمَا حَكَاهُ , ثُمَّ أَتَاهُ دَاعِي الْجِنّ مَرَّة أُخْرَى فَذَهَبَ مَعَهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن كَمَا حَكَاهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَالْأَحَادِيث الصِّحَاح تَدُلّ عَلَى أَنَّ اِبْن مَسْعُود لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْجِنّ , وَإِنَّمَا سَارَ مَعَهُ حِينَ اِنْطَلَقَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ يُرِيه آثَار الْجِنّ وَآثَار نِيرَانهمْ . قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْر وَجْه أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ لَيْلَتئِذٍ , وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة " الْأَحْقَاف " وَالْحَمْد لِلَّهِ . رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ أُمِرْت أَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآن عَلَى الْجِنّ فَمَنْ يَذْهَب مَعِي ؟ ] فَسَكَتُوا , ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَة , ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَة , ثُمَّ قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : أَنَا أَذْهَب مَعَك يَا رَسُول اللَّه , فَانْطَلَقَ حَتَّى جَاءَ الْحَجُون عِنْد شِعْب أَبِي دُبّ فَخَطّ عَلَيَّ خَطًّا فَقَالَ : ( لَا تُجَاوِزهُ ) ثُمَّ مَضَى إِلَى الْحَجُون فَانْحَدَرَ عَلَيْهِ أَمْثَال الْحَجَل يَحْدُرُونَ الْحِجَارَة بِأَقْدَامِهِمْ , يَمْشُونَ يَقْرَعُونَ فِي دُفُوفهمْ كَمَا تَقْرَع النِّسْوَة فِي دُفُوفهَا , حَتَّى غَشُوهُ فَلَا أَرَاهُ , فَقُمْت فَأَوْمَى إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنْ اِجْلِسْ , فَتَلَا الْقُرْآنَ فَلَمْ يَزَلْ صَوْته يَرْتَفِع , وَلَصِقُوا بِالْأَرْضِ حَتَّى مَا أَرَاهُمْ , فَلَمَّا اِنْفَتَلَ إِلَيَّ قَالَ : [ أَرَدْت أَنْ تَأْتِيَنِي ] ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه . قَالَ : [ مَا كَانَ ذَلِكَ لَك , هَؤُلَاءِ الْجِنّ أَتَوْا يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن , ثُمَّ وَلَّوْا إِلَى قَوْمهمْ مُنْذِرِينَ فَسَأَلُونِي الزَّاد فَزَوَّدْتهمْ الْعَظْم وَالْبَعْر فَلَا يَسْتَطِيبَنَّ أَحَدكُمْ بِعَظْمٍ وَلَا بَعْر ] .
قَالَ عِكْرِمَة : وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ جَزِيرَة الْمَوْصِل . وَفِي رِوَايَة : اِنْطَلَقَ بِي عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى إِذَا جِئْنَا الْمَسْجِد الَّذِي عِنْد حَائِط عَوْف خَطَّ لِي خَطًّا , فَأَتَاهُ نَفَر مِنْهُمْ فَقَالَ أَصْحَابنَا كَأَنَّهُمْ رِجَال الزُّطّ وَكَأَنَّ وُجُوههمْ الْمَكَاكِيّ , فَقَالُوا : مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : [ أَنَا نَبِيّ اللَّه ] قَالُوا : فَمَنْ يَشْهَد لَك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : [ هَذِهِ الشَّجَرَة ] فَقَالَ : [ يَا شَجَرَة ] فَجَاءَتْ تَجُرّ عُرُوقهَا , لَهَا قَعَاقِع حَتَّى اِنْتَصَبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَقَالَ : [ عَلَى مَاذَا تَشْهَدِينَ ] قَالَتْ : أَشْهَد أَنَّك رَسُول اللَّه . فَرَجَعَتْ كَمَا جَاءَتْ تَجُرّ بِعُرُوقِهَا الْحِجَارَة , لَهَا قَعَاقِع حَتَّى عَادَتْ كَمَا كَانَتْ .
ثُمَّ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا فَرَغَ وَضَعَ رَأْسه عَلَى حِجْر اِبْن مَسْعُود فَرَقَدَ ثُمَّ اِسْتَيْقَظَ فَقَالَ : [ هَلْ مِنْ وُضُوء ] قَالَ : لَا , إِلَّا أَنَّ مَعِي إِدَاوَة فِيهَا نَبِيذ . فَقَالَ : [ هَلْ هُوَ إِلَّا تَمْر وَمَاء ] فَتَوَضَّأَ مِنْهُ .
الثَّالِثَة قَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الْمَاء فِي سُورَة " الْحِجْر " وَمَا يُسْتَنْجَى بِهِ فِي سُورَة " بَرَاءَة " فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ .
الرَّابِعَة وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم , فِي أَصْل الْجِنّ ; فَرَوَى إِسْمَاعِيل عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّ الْجِنّ وَلَد إِبْلِيس , وَالْإِنْس وَلَد آدَم , وَمِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مُؤْمِنُونَ وَكَافِرُونَ , وَهُمْ شُرَكَاء فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب . فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مُؤْمِنًا فَهُوَ وَلِيّ اللَّه , وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَافِرًا فَهُوَ شَيْطَان .
وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْجِنّ هُمْ وَلَد الْجَانّ وَلَيْسُوا بِشَيَاطِين , وَهُمْ يُؤْمِنُونَ ; وَمِنْهُمْ الْمُؤْمِن وَمِنْهُمْ الْكَافِر , وَالشَّيَاطِين هُمْ وَلَد إِبْلِيس لَا يَمُوتُونَ إِلَّا مَعَ إِبْلِيس . وَاخْتَلَفُوا فِي دُخُول مُؤْمِنِي الْجِنّ الْجَنَّة , عَلَى حَسْب الِاخْتِلَاف فِي أَصْلهمْ . فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ مِنْ الْجَانّ لَا مِنْ ذُرِّيَّة إِبْلِيس قَالَ : يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِإِيمَانِهِمْ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْلِيس فَلَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : وَهُوَ قَوْل الْحَسَن يَدْخُلُونَهَا . الثَّانِي : وَهُوَ رِوَايَة مُجَاهِد لَا يَدْخُلُونَهَا وَإِنْ صُرِفُوا عَنْ النَّار . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " الرَّحْمَن " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " لَمْ يَطْمِثهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ " [ الرَّحْمَن : 56 ] بَيَان أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهَا .
الْخَامِسَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَته : وَسَأَلُوهُ الزَّاد وَكَانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَة فَقَالَ : [ لَكُمْ كُلّ عَظْم ] دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ . وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَة مِنْ كَفَرَة الْأَطِبَّاء وَالْفَلَاسِفَة الْجِنّ , وَقَالُوا : إِنَّهُمْ بَسَائِط , وَلَا يَصِحّ طَعَامهمْ ; اِجْتِرَاء عَلَى اللَّه وَافْتِرَاء , وَالْقُرْآن وَالسُّنَّة تَرُدّ عَلَيْهِمْ , وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَات بَسِيط مُرَكَّب مُزْدَوَج , إِنَّمَا الْوَاحِد الْوَاحِد سُبْحَانه , وَغَيْره مُرَكَّب وَلَيْسَ بِوَاحِدٍ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ حَاله . وَلَيْسَ يَمْتَنِع أَنْ يَرَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُوَرهمْ كَمَا يَرَى الْمَلَائِكَة . وَأَكْثَر مَا يَتَصَوَّرُونَ لَنَا فِي صُوَر الْحَيَّات ; فَفِي الْمُوَطَّأ أَنَّ رَجُلًا حَدِيث عَهْد بِعُرْسٍ اِسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ النَّهَار أَنْ يَرْجِع إِلَى أَهْله . .. الْحَدِيث , وَفِيهِ : فَإِذَا حَيَّة عَظِيمَة مُنْطَوِيَة عَلَى الْفِرَاش , فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا . وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَفِي الصَّحِيح أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : [ إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوت عَوَامِر , فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا , فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِر ] . وَقَالَ : [ اِذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبكُمْ ] وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة " الْبَقَرَة " وَبَيَان التَّحْرِيج عَلَيْهِنَّ . وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِالْمَدِينَةِ ; لِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيح : [ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا ] . وَهَذَا لَفْظ مُخْتَصّ بِهَا فَيَخْتَصّ بِحُكْمِهَا . قُلْنَا : هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ غَيْرهَا مِنْ الْبُيُوت مِثْلهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّل بِحُرْمَةِ الْمَدِينَة , فَيَكُون ذَلِكَ الْحُكْم مَخْصُوصًا بِهَا , وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِالْإِسْلَامِ , وَذَلِكَ عَامّ فِي غَيْرهَا , أَلَا تَرَى قَوْله فِي الْحَدِيث مُخْبِرًا عَنْ الْجِنّ الَّذِي لَقِيَ : [ وَكَانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَة ] ; وَهَذَا بَيِّن يُعَضِّدهُ قَوْله : [ وَنَهَى عَنْ عَوَامِر الْبُيُوت ] وَهَذَا عَامّ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة ( الْبَقَرَة ) الْقَوْل فِي هَذَا فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ .
قَوْله تَعَالَى : " فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا " أَيْ فِي فَصَاحَة كَلَامه . وَقِيلَ : عَجَبًا فِي بَلَاغَة مَوَاعِظه . وَقِيلَ : عَجَبًا فِي عِظَم بَرَكَته . وَقِيلَ : قُرْآنًا عَزِيزًا لَا يُوجَد مِثْله . وَقِيلَ : يَعْنُونَ عَظِيمًا .
وَقَرَأَ اِبْن أَبِي عَبْلَة "أُحِيَ " عَلَى الْأَصْل ; يُقَال أَوْحَى إِلَيْهِ وَوَحَى , فَقُلِبَتْ الْوَاو هَمْزَة , وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى : " وَإِذَا الرُّسُل أُقِّتَتْ " [ الْمُرْسَلَات : 11 ] وَهُوَ مِنْ الْقَلْب الْمُطْلَق جَوَازه فِي كُلّ وَاو مَضْمُومَة . وَقَدْ أَطْلَقَهُ الْمَازِنِيّ فِي الْمَكْسُورَة أَيْضًا كَإِشَاحٍ وَإِسَادَة وَإِعَاءِ أَخِيهِ وَنَحْوه .
الثَّانِيَة وَاخْتُلِفَ هَلْ رَآهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا ؟ فَظَاهِر الْقُرْآن يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُمْ ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى : " اِسْتَمَعَ " , وَقَوْله تَعَالَى : " وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْك نَفَرًا مِنْ الْجِنّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن " [ الْأَحْقَاف : 29 ] .
وَفِي صَحِيح مُسْلِم وَالتِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : مَا قَرَأَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنّ وَمَا رَآهُمْ , اِنْطَلَقَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَة مِنْ أَصْحَابه عَامِدِينَ إِلَى سُوق عِكَاظ , وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِين وَبَيْنَ خَبَر السَّمَاء , وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُب , فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِين إِلَى قَوْمهمْ ; فَقَالُوا : مَا لَكُمْ ؟ قَالُوا : حِيلَ بَيْننَا وَبَيْنَ خَبَر السَّمَاء , وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُب ! قَالُوا : مَا ذَاكَ إِلَّا مِنْ شَيْء حَدَثَ , فَاضْرِبُوا مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا , فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَال بَيْننَا وَبَيْنَ خَبَر السَّمَاء ؟ فَانْطَلَقُوا يَضْرِبُونَ مَشَارِق الْأَرْض وَمَغَارِبهَا , فَمَرَّ النَّفَر الَّذِينَ أَخَذُوا نَحْو تِهَامَة وَهُوَ بِنَخْلَةٍ عَامِدِينَ إِلَى سُوق عُكَاظ , وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْفَجْر ; فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآن اِسْتَمَعُوا لَهُ وَقَالُوا : هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْننَا وَبَيْنَ خَبَر السَّمَاء . فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمهمْ فَقَالُوا : يَا قَوْمنَا : " إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا . يَهْدِي إِلَى الرُّشْد فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِك بِرَبِّنَا أَحَدًا " فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نَبِيّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اِسْتَمَعَ نَفَر مِنْ الْجِنّ " : رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : قَوْل الْجِنّ لِقَوْمِهِمْ : " لَمَّا قَامَ عَبْد اللَّه يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا " قَالَ : لَمَّا رَأَوْهُ يُصَلِّي وَأَصْحَابه يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ فَيَسْجُدُونَ بِسُجُودِهِ قَالَ : تَعَجَّبُوا مِنْ طَوَاعِيَة أَصْحَابه لَهُ , قَالُوا لِقَوْمِهِمْ : " لَمَّا قَامَ عَبْد اللَّه يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا " [ الْجِنّ : 19 ] . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح ; فَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمْ يَرَ الْجِنّ وَلَكِنَّهُمْ حَضَرُوهُ , وَسَمِعُوا قِرَاءَته . وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْجِنّ كَانُوا مَعَ الشَّيَاطِين حِينَ تَجَسَّسُوا الْخَبَر بِسَبَبِ الشَّيَاطِين لَمَّا رُمُوا بِالشُّهُبِ . وَكَانَ الْمَرْمِيُّونَ بِالشُّهُبِ مِنْ الْجِنّ أَيْضًا .
وَقِيلَ لَهُمْ شَيَاطِين كَمَا قَالَ : " شَيَاطِين الْإِنْس وَالْجِنّ " [ الْأَنْعَام : 112 ] فَإِنَّ الشَّيْطَان كُلّ مُتَمَرِّد وَخَارِج عَنْ طَاعَة اللَّه . وَفِي التِّرْمِذِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : كَانَ الْجِنّ يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاء يَسْتَمِعُونَ إِلَى الْوَحْي فَإِذَا سَمِعُوا الْكَلِمَة زَادُوا فِيهَا تِسْعًا , فَأَمَّا الْكَلِمَة فَتَكُون حَقًّا , وَأَمَّا مَا زَادُوا فِيهَا , فَيَكُون بَاطِلًا . فَلَمَّا بُعِثَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنِعُوا مَقَاعِدهمْ , فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِإِبْلِيسَ وَلَمْ تَكُنْ النُّجُوم يُرْمَى بِهَا قَبْل ذَلِكَ , فَقَالَ لَهُمْ إِبْلِيس : مَا هَذَا الْأَمْر إِلَّا مِنْ أَمْر قَدْ حَدَثَ فِي الْأَرْض ! فَبَعَثَ جُنُوده فَوَجَدُوا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا يُصَلِّي بَيْنَ جَبَلَيْنِ - أَرَاهُ قَالَ بِمَكَّة - فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ : هَذَا الْحَدِيث الَّذِي حَدَثَ فِي الْأَرْض . قَالَ : هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيح . فَدَلَّ هَذَا الْحَدِيث عَلَى أَنَّ الْجِنّ رُمُوا كَمَا رُمِيَتْ الشَّيَاطِين . وَفِي رِوَايَة السُّدِّيّ : إِنَّهُمْ لَمَّا رُمُوا أَتَوْا إِبْلِيس فَأَخْبَرُوهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرهمْ فَقَالَ : اِيتُونِي مِنْ كُلّ أَرْض بِقَبْضَةٍ مِنْ تُرَاب أَشُمّهَا فَأَتَوْهُ فَشَمَّ فَقَالَ : صَاحِبكُمْ بِمَكَّة . فَبَعَثَ نَفَرًا مِنْ الْجِنّ , قِيلَ : كَانُوا سَبْعَة . وَقِيلَ : تِسْعَة مِنْهُمْ زَوْبَعَة .
وَرَوَى أَيْضًا عَاصِم عَنْ زِرّ أَنَّهُمْ كَانُوا سَبْعَة نَفَر ; ثَلَاثَة مِنْ أَهْل حَرَّان وَأَرْبَعَة مِنْ أَهْل نَصِيبِين . وَحَكَى جُوَيْبِر عَنْ الضَّحَّاك : أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَة مِنْ أَهْل نَصِيبِين ( قَرْيَة بِالْيَمَنِ غَيْر الَّتِي بِالْعِرَاقِ ) . وَقِيلَ : إِنَّ الْجِنّ الَّذِينَ أَتَوْا مَكَّة جِنّ نَصِيبِين , وَاَلَّذِينَ أَتَوْهُ بِنَخْلَةٍ جِنّ نِينَوَى . وَقَدْ مَضَى بَيَان هَذَا فِي سُورَة ( الْأَحْقَاف ) . قَالَ عِكْرِمَة : وَالسُّورَة الَّتِي كَانَ يَقْرَؤُهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبّك " [ الْعَلَق : 1 ] وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " الْأَحْقَاف " التَّعْرِيف بِاسْمِ النَّفَر مِنْ الْجِنّ , فَلَا مَعْنَى لِإِعَادَةِ ذَلِكَ .
وَقِيلَ : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى الْجِنّ لَيْلَة الْجِنّ وَهُوَ أَثْبَت ; رَوَى عَامِر الشَّعْبِيّ قَالَ : سَأَلْت عَلْقَمَة هَلْ كَانَ اِبْن مَسْعُود شَهِدَ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْجِنّ ؟ فَقَالَ عَلْقَمَة : أَنَا سَأَلْت اِبْن مَسْعُود فَقُلْت : هَلْ شَهِدَ أَحَد مِنْكُمْ مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْجِنّ ؟ قَالَ : لَا , وَلَكِنَّا كُنَّا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَات لَيْلَة فَفَقَدْنَاهُ , فَالْتَمَسْنَاهُ فِي الْأَوْدِيَة وَالشِّعَاب , فَقُلْنَا اُسْتُطِيرَ أَوْ اُغْتِيلَ , قَالَ : فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَة بَاتَ بِهَا قَوْم , فَلَمَّا أَصْبَحَ إِذَا هُوَ يَجِيء مِنْ قِبَل حِرَاء , فَقُلْنَا : يَا رَسُول اللَّه ! فَقَدْنَاك وَطَلَبْنَاك فَلَمْ نَجِدك , فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَة بَاتَ بِهَا قَوْم ; فَقَالَ : [ أَتَانِي دَاعِي الْجِنّ فَذَهَبْت مَعَهُ فَقَرَأْت عَلَيْهِمْ الْقُرْآن ] فَانْطَلَقَ بِنَا فَأَرَانَا آثَارهمْ وَآثَار نِيرَانهمْ , وَسَأَلُوهُ الزَّاد وَكَانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَة , فَقَالَ : ( لَكُمْ كُلّ عَظْم ذُكِرَ اِسْم اللَّه عَلَيْهِ يَقَع فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَر مَا يَكُون لَحْمًا , وَكُلّ بَعْرَة عَلَف لِدَوَابِّكُمْ - فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا , فَإِنَّهُمَا طَعَام إِخْوَانكُمْ الْجِنّ ) قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : وَابْن مَسْعُود أَعْرَف مِنْ اِبْن عَبَّاس ; لِأَنَّهُ شَاهَدَهُ وَابْن عَبَّاس سَمِعَهُ وَلَيْسَ الْخَبَر كَالْمُعَايَنَةِ .
وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ الْجِنّ أَتَوْا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفْعَتَيْنِ : إِحْدَاهُمَا بِمَكَّة وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا اِبْن مَسْعُود , وَالثَّانِيَة بِنَخْلَةٍ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا اِبْن عَبَّاس . قَالَ الْبَيْهَقِيّ : الَّذِي حَكَاهُ عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس إِنَّمَا هُوَ فِي أَوَّل مَا سَمِعَتْ الْجِنّ قِرَاءَة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِمَتْ بِحَالِهِ , وَفِي ذَلِكَ الْوَقْت لَمْ يَقْرَأ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَرَهُمْ كَمَا حَكَاهُ , ثُمَّ أَتَاهُ دَاعِي الْجِنّ مَرَّة أُخْرَى فَذَهَبَ مَعَهُ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآن كَمَا حَكَاهُ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود قَالَ الْبَيْهَقِيّ : وَالْأَحَادِيث الصِّحَاح تَدُلّ عَلَى أَنَّ اِبْن مَسْعُود لَمْ يَكُنْ مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَة الْجِنّ , وَإِنَّمَا سَارَ مَعَهُ حِينَ اِنْطَلَقَ بِهِ وَبِغَيْرِهِ يُرِيه آثَار الْجِنّ وَآثَار نِيرَانهمْ . قَالَ : وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْر وَجْه أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ لَيْلَتئِذٍ , وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة " الْأَحْقَاف " وَالْحَمْد لِلَّهِ . رُوِيَ عَنْ اِبْن مَسْعُود أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : [ أُمِرْت أَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآن عَلَى الْجِنّ فَمَنْ يَذْهَب مَعِي ؟ ] فَسَكَتُوا , ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَة , ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَة , ثُمَّ قَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود : أَنَا أَذْهَب مَعَك يَا رَسُول اللَّه , فَانْطَلَقَ حَتَّى جَاءَ الْحَجُون عِنْد شِعْب أَبِي دُبّ فَخَطّ عَلَيَّ خَطًّا فَقَالَ : ( لَا تُجَاوِزهُ ) ثُمَّ مَضَى إِلَى الْحَجُون فَانْحَدَرَ عَلَيْهِ أَمْثَال الْحَجَل يَحْدُرُونَ الْحِجَارَة بِأَقْدَامِهِمْ , يَمْشُونَ يَقْرَعُونَ فِي دُفُوفهمْ كَمَا تَقْرَع النِّسْوَة فِي دُفُوفهَا , حَتَّى غَشُوهُ فَلَا أَرَاهُ , فَقُمْت فَأَوْمَى إِلَيَّ بِيَدِهِ أَنْ اِجْلِسْ , فَتَلَا الْقُرْآنَ فَلَمْ يَزَلْ صَوْته يَرْتَفِع , وَلَصِقُوا بِالْأَرْضِ حَتَّى مَا أَرَاهُمْ , فَلَمَّا اِنْفَتَلَ إِلَيَّ قَالَ : [ أَرَدْت أَنْ تَأْتِيَنِي ] ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُول اللَّه . قَالَ : [ مَا كَانَ ذَلِكَ لَك , هَؤُلَاءِ الْجِنّ أَتَوْا يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآن , ثُمَّ وَلَّوْا إِلَى قَوْمهمْ مُنْذِرِينَ فَسَأَلُونِي الزَّاد فَزَوَّدْتهمْ الْعَظْم وَالْبَعْر فَلَا يَسْتَطِيبَنَّ أَحَدكُمْ بِعَظْمٍ وَلَا بَعْر ] .
قَالَ عِكْرِمَة : وَكَانُوا اِثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ جَزِيرَة الْمَوْصِل . وَفِي رِوَايَة : اِنْطَلَقَ بِي عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى إِذَا جِئْنَا الْمَسْجِد الَّذِي عِنْد حَائِط عَوْف خَطَّ لِي خَطًّا , فَأَتَاهُ نَفَر مِنْهُمْ فَقَالَ أَصْحَابنَا كَأَنَّهُمْ رِجَال الزُّطّ وَكَأَنَّ وُجُوههمْ الْمَكَاكِيّ , فَقَالُوا : مَا أَنْتَ ؟ قَالَ : [ أَنَا نَبِيّ اللَّه ] قَالُوا : فَمَنْ يَشْهَد لَك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَ : [ هَذِهِ الشَّجَرَة ] فَقَالَ : [ يَا شَجَرَة ] فَجَاءَتْ تَجُرّ عُرُوقهَا , لَهَا قَعَاقِع حَتَّى اِنْتَصَبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَقَالَ : [ عَلَى مَاذَا تَشْهَدِينَ ] قَالَتْ : أَشْهَد أَنَّك رَسُول اللَّه . فَرَجَعَتْ كَمَا جَاءَتْ تَجُرّ بِعُرُوقِهَا الْحِجَارَة , لَهَا قَعَاقِع حَتَّى عَادَتْ كَمَا كَانَتْ .
ثُمَّ رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لَمَّا فَرَغَ وَضَعَ رَأْسه عَلَى حِجْر اِبْن مَسْعُود فَرَقَدَ ثُمَّ اِسْتَيْقَظَ فَقَالَ : [ هَلْ مِنْ وُضُوء ] قَالَ : لَا , إِلَّا أَنَّ مَعِي إِدَاوَة فِيهَا نَبِيذ . فَقَالَ : [ هَلْ هُوَ إِلَّا تَمْر وَمَاء ] فَتَوَضَّأَ مِنْهُ .
الثَّالِثَة قَدْ مَضَى الْكَلَام فِي الْمَاء فِي سُورَة " الْحِجْر " وَمَا يُسْتَنْجَى بِهِ فِي سُورَة " بَرَاءَة " فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ .
الرَّابِعَة وَاخْتَلَفَ أَهْل الْعِلْم , فِي أَصْل الْجِنّ ; فَرَوَى إِسْمَاعِيل عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ أَنَّ الْجِنّ وَلَد إِبْلِيس , وَالْإِنْس وَلَد آدَم , وَمِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مُؤْمِنُونَ وَكَافِرُونَ , وَهُمْ شُرَكَاء فِي الثَّوَاب وَالْعِقَاب . فَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مُؤْمِنًا فَهُوَ وَلِيّ اللَّه , وَمَنْ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَافِرًا فَهُوَ شَيْطَان .
وَرَوَى الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس أَنَّ الْجِنّ هُمْ وَلَد الْجَانّ وَلَيْسُوا بِشَيَاطِين , وَهُمْ يُؤْمِنُونَ ; وَمِنْهُمْ الْمُؤْمِن وَمِنْهُمْ الْكَافِر , وَالشَّيَاطِين هُمْ وَلَد إِبْلِيس لَا يَمُوتُونَ إِلَّا مَعَ إِبْلِيس . وَاخْتَلَفُوا فِي دُخُول مُؤْمِنِي الْجِنّ الْجَنَّة , عَلَى حَسْب الِاخْتِلَاف فِي أَصْلهمْ . فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ مِنْ الْجَانّ لَا مِنْ ذُرِّيَّة إِبْلِيس قَالَ : يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِإِيمَانِهِمْ . وَمَنْ قَالَ : إِنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّة إِبْلِيس فَلَهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدهمَا : وَهُوَ قَوْل الْحَسَن يَدْخُلُونَهَا . الثَّانِي : وَهُوَ رِوَايَة مُجَاهِد لَا يَدْخُلُونَهَا وَإِنْ صُرِفُوا عَنْ النَّار . حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة " الرَّحْمَن " عِنْد قَوْله تَعَالَى : " لَمْ يَطْمِثهُنَّ إِنْس قَبْلهمْ وَلَا جَانّ " [ الرَّحْمَن : 56 ] بَيَان أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهَا .
الْخَامِسَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَته : وَسَأَلُوهُ الزَّاد وَكَانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَة فَقَالَ : [ لَكُمْ كُلّ عَظْم ] دَلِيل عَلَى أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ . وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَة مِنْ كَفَرَة الْأَطِبَّاء وَالْفَلَاسِفَة الْجِنّ , وَقَالُوا : إِنَّهُمْ بَسَائِط , وَلَا يَصِحّ طَعَامهمْ ; اِجْتِرَاء عَلَى اللَّه وَافْتِرَاء , وَالْقُرْآن وَالسُّنَّة تَرُدّ عَلَيْهِمْ , وَلَيْسَ فِي الْمَخْلُوقَات بَسِيط مُرَكَّب مُزْدَوَج , إِنَّمَا الْوَاحِد الْوَاحِد سُبْحَانه , وَغَيْره مُرَكَّب وَلَيْسَ بِوَاحِدٍ كَيْفَمَا تَصَرَّفَ حَاله . وَلَيْسَ يَمْتَنِع أَنْ يَرَاهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صُوَرهمْ كَمَا يَرَى الْمَلَائِكَة . وَأَكْثَر مَا يَتَصَوَّرُونَ لَنَا فِي صُوَر الْحَيَّات ; فَفِي الْمُوَطَّأ أَنَّ رَجُلًا حَدِيث عَهْد بِعُرْسٍ اِسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ النَّهَار أَنْ يَرْجِع إِلَى أَهْله . .. الْحَدِيث , وَفِيهِ : فَإِذَا حَيَّة عَظِيمَة مُنْطَوِيَة عَلَى الْفِرَاش , فَأَهْوَى إِلَيْهَا بِالرُّمْحِ فَانْتَظَمَهَا . وَذَكَرَ الْحَدِيث . وَفِي الصَّحِيح أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام قَالَ : [ إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوت عَوَامِر , فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا , فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِر ] . وَقَالَ : [ اِذْهَبُوا فَادْفِنُوا صَاحِبكُمْ ] وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي سُورَة " الْبَقَرَة " وَبَيَان التَّحْرِيج عَلَيْهِنَّ . وَقَدْ ذَهَبَ قَوْم إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوص بِالْمَدِينَةِ ; لِقَوْلِهِ فِي الصَّحِيح : [ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا ] . وَهَذَا لَفْظ مُخْتَصّ بِهَا فَيَخْتَصّ بِحُكْمِهَا . قُلْنَا : هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ غَيْرهَا مِنْ الْبُيُوت مِثْلهَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّل بِحُرْمَةِ الْمَدِينَة , فَيَكُون ذَلِكَ الْحُكْم مَخْصُوصًا بِهَا , وَإِنَّمَا عَلَّلَ بِالْإِسْلَامِ , وَذَلِكَ عَامّ فِي غَيْرهَا , أَلَا تَرَى قَوْله فِي الْحَدِيث مُخْبِرًا عَنْ الْجِنّ الَّذِي لَقِيَ : [ وَكَانُوا مِنْ جِنّ الْجَزِيرَة ] ; وَهَذَا بَيِّن يُعَضِّدهُ قَوْله : [ وَنَهَى عَنْ عَوَامِر الْبُيُوت ] وَهَذَا عَامّ . وَقَدْ مَضَى فِي سُورَة ( الْبَقَرَة ) الْقَوْل فِي هَذَا فَلَا مَعْنَى لِلْإِعَادَةِ .
قَوْله تَعَالَى : " فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا " أَيْ فِي فَصَاحَة كَلَامه . وَقِيلَ : عَجَبًا فِي بَلَاغَة مَوَاعِظه . وَقِيلَ : عَجَبًا فِي عِظَم بَرَكَته . وَقِيلَ : قُرْآنًا عَزِيزًا لَا يُوجَد مِثْله . وَقِيلَ : يَعْنُونَ عَظِيمًا .
كتب عشوائيه
- آل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤهآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه: موقف السنة والشيعة من عقائدهم، وفضائلهم، وفقههم، وفقهَائهم، أصول فِقه الشِّيعَة وَفقهِهم. هذا البحث لخصَهُ ورَتَّبَهُ الشيخ محمد بن عَبد الرحمن بن محمد بن قاسِم - رحمه الله - من كتاب منهاج السنة النبوية للإمام ابن تيمية - رحمه الله -.
المؤلف : محمد بن عبد الرحمن بن قاسم
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/71971
- أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفيأولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السني السلفي: قال المصنف - حفظه الله -: «فلقد بات مفهوم الولاية الحقيقي غائبا عن الكثيرين كما ورد في الكتاب والسنة وبحسب ما فهمه السلف الصالح، وصار المتبادر إلى الذهن عند سماع كلمة الولي: ذاك الشيخ الذي يتمتم بأحزابه وأوراده، قد تدلت السبحة حول عنقه، وامتدت يداه إلى الناس يقبلونها وهم يكادون يقتتلون على التمسح به. ومن هنا فقد عمدت في هذا الكتاب إلى وضع دراسة مقارنة بين مفهوم الولاية الصحيح مدعما بالأدلة من الكتاب والسنة. وبين مفهومها عند الصوفية كما عرضتها لنا المئات من بطون كتب التصوف».
المؤلف : عبد الرحمن دمشقية
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/346798
- التفسير اللغوي للقرآن الكريمالتفسير اللغوي للقرآن الكريم : هذه الرسالة عبارة عن دراسة قيمة في موضوع التفسير اللغوي للقرآن الكريم وتعريفه، وبيان مكانته، والوقوف على نشأته وتعداد مصادره، وبيان أثره في اختلاف المفسرين وانحرافهم، ودراسة قواعده. وقد جعل المؤلف هذه الدراسة منصبّة على ماله أثر في التفسير، وقد ظهر له أن أغلب ذلك كان في دلالة الألفاظ وإن كان قد ألم بشيء من دلالة الصيغ وشيء من الأساليب العربية كما درسها المتقدمون من اللغويين وذلك نظراً لأثرها في المعنى، كما أنه عنى ببسط الأمثلة مع تجنب التطويل والاستطراد. ولما كان موضوع اللغة في التفسير طويلاً فقد حرص المؤلف أن تكون الدراسة في نشأة التفسير اللغوي ومصادره في بداية فترة التدوين اللغوي لأن غالب من جاء بعد هذه المرحلة ناقل عنها.
المؤلف : مساعد بن سليمان الطيار
الناشر : دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع www.aljawzi.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/291770
- إضاءات على متن الورقاتمتن الورقات هو متن مختصر جداً تكلم فيه المؤلف - رحمه الله - على خمسة عشر باباً من أبواب أصول الفقه وهي: أقسام الكلام، الأمر، النهي، العام والخاص، المجمل والمبين، الظاهر والمؤول، الأفعال، الناسخ والمنسوخ، الإجماع، الأخبار، القياس، الحظر والإباحة، ترتيب الأدلة، المفتي، أحكام المجتهدين، وفي هذه الصفحة نسة من شرح الدكتور عبد السلام الحصين.
المؤلف : عبد السلام بن إبراهيم الحصين
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/259989
- مصارف الزكاة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنةمصارف الزكاة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة: قال المصنف - حفظه الله -: «فهذه رسالة مختصرة في «مصارف الزكاة في الإسلام» بيَّنت فيها مفهوم المصارف: لغة، واصطلاحًا، وأن الله حصر مصارف الزكاة بلا تعميم في العطاء، وذكرت أنواع المصارف الثمانية، وبيَّنت مفهوم كل مصرف: لغةً، واصطلاحًا، ونصيب كل نوع من المصارف، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، وفضل الدفع لكل مصرف، ثم ذكرت أصناف وأنواع من لا يصحّ دفع الزكاة إليهم بالأدلة».
المؤلف : سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الناشر : المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/193657












