القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة الفرقان
يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا (22) (الفرقان) 

وَقَوْله تَعَالَى : " يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا " أَيْ هُمْ لَا يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة فِي يَوْم خَيْر لَهُمْ بَلْ يَوْم يَرَوْنَهُمْ لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لَهُمْ وَذَلِكَ يَصْدُق عَلَى وَقْت الِاحْتِضَار حِين تُبَشِّرهُمْ الْمَلَائِكَة بِالنَّارِ وَالْغَضَب مِنْ الْجَبَّار فَتَقُول الْمَلَائِكَة لِلْكَافِرِ عِنْد خُرُوج رُوحه : اُخْرُجِي أَيَّتهَا النَّفْس الْخَبِيثَة فِي الْجَسَد الْخَبِيث اُخْرُجِي إِلَى سَمُوم وَحَمِيم وَظِلّ مِنْ يَحْمُوم فَتَأْبَى الْخُرُوج وَتَتَفَرَّق فِي الْبَدَن فَيَضْرِبُونَهُ كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَة يَضْرِبُونَ وُجُوههمْ وَأَدْبَارهمْ " الْآيَة وَقَالَ تَعَالَى : " وَلَوْ تَرَى إِذْ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَات الْمَوْت وَالْمَلَائِكَة بَاسِطُو أَيْدِيهمْ " أَيْ بِالضَّرْبِ " أَخْرِجُوا أَنْفُسكُمْ الْيَوْم تُجْزَوْنَ عَذَاب الْهُون بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّه غَيْر الْحَقّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاته تَسْتَكْبِرُونَ " وَلِهَذَا قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة " يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ " وَهَذَا بِخِلَافِ حَال الْمُؤْمِنِينَ حَال اِحْتِضَارهمْ فَإِنَّهُمْ يُبَشِّرُونَ بِالْخَيْرَاتِ وَحُصُول الْمَسَرَّات قَالَ اللَّه تَعَالَى : " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبّنَا اللَّه ثُمَّ اِسْتَقَامُوا تَتَنَزَّل عَلَيْهِمْ الْمَلَائِكَة أَنْ لَا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِنْ غَفُور رَحِيم " وَفِي الْحَدِيث الصَّحِيح عَنْ الْبَرَاء بْن عَازِب : أَنَّ الْمَلَائِكَة تَقُول لِرُوحِ الْمُؤْمِن اُخْرُجِي أَيَّتهَا النَّفْس الطَّيِّبَة فِي الْجَسَد الطَّيِّب كُنْت تَعْمُرِينَهُ اُخْرُجِي إِلَى رَوْح وَرَيْحَان وَرَبّ غَيْر غَضْبَان وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيث فِي سُورَة إِبْرَاهِيم عِنْد قَوْله تَعَالَى : " يُثَبِّت اللَّه الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة وَيُضِلّ اللَّه الظَّالِمِينَ وَيَفْعَل اللَّه مَا يَشَاء " وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ الْمُرَاد بِقَوْلِهِ : " يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة لَا بُشْرَى " يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة . قَالَهُ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَغَيْرهمَا وَلَا مُنَافَاة بَيْن هَذَا وَمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَة فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ يَوْم الْمَمَات وَيَوْم الْمَعَاد تَتَجَلَّى لِلْمُؤْمِنِينَ وَلِلْكَافِرِينَ فَتُبَشِّر الْمُؤْمِنِينَ بِالرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَان وَتُخْبِر الْكَافِرِينَ بِالْخَيْبَةِ وَالْخُسْرَان فَلَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ " وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا " أَيْ وَتَقُول الْمَلَائِكَة لِلْكَافِرِينَ حَرَام مُحَرَّم عَلَيْكُمْ الْفَلَاح الْيَوْم وَأَصْل الْحَجْر الْمَنْع وَمِنْهُ يُقَال حَجَرَ الْقَاضِي عَلَى فُلَان إِذَا مَنَعَهُ التَّصَرُّف إِمَّا لِفَلَسٍ أَوْ سَفَه أَوْ صِغَر أَوْ نَحْو ذَلِكَ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْحِجْر عِنْد الْبَيْت الْحَرَام لِأَنَّهُ يُمْنَع الطُّوَّاف أَنْ يَطُوفُوا فِيهِ وَإِنَّمَا يُطَاف مِنْ وَرَائِهِ وَمِنْهُ يُقَال لِلْعَقْلِ حِجْر لِأَنَّهُ يَمْنَع صَاحِبه عَنْ تَعَاطِي مَا لَا يَلِيق وَالْغَرَض أَنَّ الضَّمِير فِي قَوْله : " وَيَقُولُونَ " عَائِد عَلَى الْمَلَائِكَة هَذَا قَوْل مُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَالْحَسَن وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَعَطِيَّة الْعَوْفِيّ وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ وَخُصَيْف وَغَيْر وَاحِد وَاخْتَارَهُ اِبْن جَرِير . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْم حَدَّثَنَا مُوسَى يَعْنِي اِبْن قَيْس عَنْ عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَنْ أَبِي سَعِيد الْخُدْرِيّ فِي الْآيَة" وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا " قَالَ حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يُبَشَّر بِمَا يُبَشَّر بِهِ الْمُتَّقُونَ وَقَدْ حَكَى اِبْن جَرِير عَنْ اِبْن جُرَيْج أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مِنْ كَلَام الْمُشْرِكِينَ" يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة " أَيْ يَتَعَوَّذُونَ مِنْ الْمَلَائِكَة وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَب كَانُوا إِذَا نَزَلَ بِأَحَدِهِمْ نَازِلَة أَوْ شِدَّة يَقُول " حِجْرًا مَحْجُورًا " وَهَذَا الْقَوْل وَإِنْ كَانَ لَهُ مَأْخَذ وَوَجْه وَلَكِنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السِّيَاق بَعِيد لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَصَّ الْجُمْهُور عَلَى خِلَافه وَلَكِنْ قَدْ رَوَى اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله : " حِجْرًا مَحْجُورًا " أَيْ عَوْذًا مُعَاذًا فَيُحْتَمَل أَنَّهُ أَرَادَ مَا ذَكَرَهُ اِبْن جُرَيْج وَلَكِنْ فِي رِوَايَة اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ مُجَاهِد أَنَّهُ قَالَ " حِجْرًا مَحْجُورًا " عَوْذًا مُعَاذًا الْمَلَائِكَة تَقُول ذَلِكَ فَاَللَّه أَعْلَم .
كتب عشوائيه
- بحوث ندوة الدعوة في عهد الملك عبد العزيز رحمه اللهبحوث ندوة الدعوة في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - نظمت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في عام 1420 ندوة علمية تحت عنوان " الدعوة في عهد الملك عبد العزيز " انعقدت في الرياض في 23/ 2/1420 هـ، واستمرت خمسة أيام قدمت فيها بحوث قيمة استعرضت صفات الملك عبد العزيز - رحمه الله - التي كانت من الأسباب الرئيسية - بعد توفيق الله تعالى - في نجاحه في تأسيس الحكم على قواعد الإسلام، وتحدثت عن منهجه في الدعوة إلى الله، والأساليب التي اتخذها في هذا المضمار، وفي هذا الكتاب جمع لها. قدم له معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ - حفظه الله تعالى -، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والمشرف العام على مركز البحوث والدراسات الإسلامية.
المؤلف : جماعة من العلماء
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/111036
- طريق السعادةالطريق الوحيد لتحقيق السعادة الحقيقية هو الإسلام وما يدعو إليه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر.
المؤلف : عبد الرحمن بن عبد الكريم الشيحة
الناشر : المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/385930
- المنار المنيف في الصحيح والضعيفالمنار المنيف في الصحيح والضعيف : لخص به الموضوعات لابن الجوزي - رحمه الله - تلخيصاً حسناً، وقعَّد لها قواعد وضوابط، فجاء الكتاب على صغره ولطافة حجمه جامعاً مفيداً متميِّزاً، كسائر كتب ابن القيم - رحمه الله -. وهذا الكتاب من خير ما ألف في الموضوعات ومن أجمعها علماً، وأصغرها حجماً وأحكمها ضوابط لمعرفة الحديث دون أن يُنْظَر في سنده. والكتاب يعرض جملة من الأحاديث الموضوعة، ويضيف إليها ضوابط وقواعد يعرف بها الحديث الموضوع من الحديث الصحيح، وهذا يفيد ذوي الاختصاص في الحديث، ويأخذ بيد المبتدئ لتكوين الملكة التي تساعده على التمييز بين أنواع الحديث صحيحه وضعيفه وموضوعه.
المؤلف : ابن قيم الجوزية
المدقق/المراجع : يحيى بن عبد الله الثمالي
الناشر : دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/265616
- وداعًا أيها البطلوداعًا أيها البطل: قصصٌ مؤثِّرة من أخبار أبطال المؤمنين برب العالمين، الذين ثبَّتهم الله على دينه مع شدة ما لاقَوا من أذًى وابتلاءٍ وعذابٍ في سبيله - سبحانه وتعالى -، قصصٌ مُستقاةٌ من كتابِ ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -.
المؤلف : محمد بن عبد الرحمن العريفي
الناشر : موقع الشيخ العريفي www.arefe.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/336099
- مفتاح دعوة الرسلمفتاح دعوة الرسل: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن تربية النفوس وتزكيتها أمر مهم غفل عنه أمة من الناس، ومع انتشار الخير وكثرة من يسلك طريق الاستقامة إلا أن البعض يروم الصواب ولا يجده وينشد الجادة ويتيه عنها، وقد انبرى لهم الشيطان فاتخذ هؤلاء مطية ومركبًا يسير بهم في لجة الرياء والسمعة والعجب. ولخطورة الأمر وعظمه وردت الجم وأدليت بدلوي ونزعت نزعًا لا أدعي كماله وحسبي منه اجتهاد مقصر ومحبة الخير لي وللمسلمين. وهذا هو الجزء «السابع عشر» من سلسلة «أين نحن من هؤلاء؟!» تحت عنوان: «مفتاح دعوة الرسل»».
المؤلف : عبد الملك القاسم
الناشر : دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/229615