القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة البقرة
وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (48) (البقرة) 

لَمَّا ذَكَّرَهُمْ تَعَالَى بِنِعَمِهِ أَوَّلًا عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ التَّحْذِير مِنْ طُول نِقَمه يَوْم الْقِيَامَة فَقَالَ : " وَاتَّقُوا يَوْمًا " يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة لَا تَجْزِي نَفْس عَنْ نَفْس شَيْئًا أَيْ لَا يُغْنِي أَحَد عَنْ أَحَد كَمَا قَالَ " وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى " وَقَالَ : " لِكُلِّ اِمْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيه " وَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاس اِتَّقُوا رَبّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَده وَلَا مَوْلُود هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِده شَيْئًا " فَهَذَا أَبْلَغ الْمَقَامَات أَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَالِد وَوَلَده لَا يُغْنِي أَحَدهمَا عَنْ الْآخَر شَيْئًا وَقَوْله تَعَالَى " وَلَا يُقْبَل مِنْهَا شَفَاعَة " يَعْنِي مِنْ الْكَافِرِينَ كَمَا قَالَ " فَمَا تَنْفَعهُمْ شَفَاعَة الشَّافِعِينَ" وَكَمَا قَالَ عَنْ أَهْل النَّار " فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلَا صَدِيق حَمِيم " وَقَوْله تَعَالَى " وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل " أَيْ لَا يُقْبَل مِنْهَا فَدَاء كَمَا قَالَ تَعَالَى " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّار فَلَنْ يُقْبَل مِنْ أَحَدهمْ مِلْء الْأَرْض ذَهَبًا وَلَوْ اِفْتَدَى بِهِ " وَقَالَ " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْض جَمِيعًا وَمِثْله مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَاب أَلِيم " وَقَالَ تَعَالَى " وَإِنْ تَعْدِل كُلّ عَدْل لَا يُؤْخَذ مِنْهَا " وَقَالَ " فَالْيَوْم لَا يُؤْخَذ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمْ النَّار هِيَ مَوْلَاكُمْ" الْآيَة . فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِرَسُولِهِ وَيُتَابِعُوهُ عَلَى مَا بَعَثَهُ بِهِ وَوَافَوْا اللَّه يَوْم الْقِيَامَة عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعهُمْ قَرَابَة قَرِيب وَلَا شَفَاعَة ذِي جَاه وَلَا يُقْبَل مِنْهُمْ فِدَاء وَلَوْ بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبًا كَمَا قَالَ تَعَالَى " مِنْ قَبْل أَنْ يَأْتِي يَوْم لَا بَيْع فِيهِ وَلَا خُلَّة وَلَا شَفَاعَة " وَقَالَ " لَا بَيْع فِيهِ وَلَا خِلَال " قَالَ : سُنَيْد حَدَّثَنِي حَجَّاج حَدَّثَنِي اِبْن جُرَيْج قَالَ : قَالَ مُجَاهِد قَالَ اِبْن عَبَّاس " وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عَدْل " قَالَ بَدَل وَالْبَدَل الْفِدْيَة وَقَالَ السُّدِّيّ أَمَّا عَدْل فَيُعَدُّ لَهَا مِنْ الْعَدْل يَقُول لَوْ جَاءَتْ بِمِلْءِ الْأَرْض ذَهَبًا تَفْتَدِي بِهِ مَا تُقَبِّل مِنْهَا وَكَذَا قَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَنْ أَبِي الْعَالِيَة فِي قَوْله " وَلَا يُقْبَل مِنْهَا عَدْل " يَعْنِي فِدَاء قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مَالِك وَالْحَسَن وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَقَتَادَة وَالرَّبِيع بْن أَنَس نَحْو ذَلِكَ وَقَالَ عَبْد الرَّزَّاق أَنْبَأَنَا الثَّوْرِيّ عَنْ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي حَدِيث طَوِيل قَالَ وَالصَّرْف وَالْعَدْل التَّطَوُّع وَالْفَرِيضَة وَكَذَا قَالَ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ عُثْمَان بْن أَبِي الْعَاتِكَة عَنْ عُمَيْر بْن هَانِئ وَهَذَا الْقَوْل غَرِيب هَاهُنَا وَالْقَوْل الْأَوَّل أَظْهَر فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة وَقَدْ وَرَدَ حَدِيث يُقَوِّيه وَهُوَ مَا قَالَ اِبْن جَرِير حَدَّثَنِي نَجِيح بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَكِيم حَدَّثَنَا حُمَيْد بْن عَبْد الرَّحْمَن عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرو بْن قَيْس الْمُلَائِيّ عَنْ رَجُل مِنْ بَنِي أُمَيَّة مِنْ أَهْل الشَّام أَحْسَن عَلَيْهِ الثَّنَاء قَالَ قِيلَ يَا رَسُول اللَّه مَا الْعَدْل ؟ قَالَ " الْعَدْل الْفِدْيَة " وَقَوْله تَعَالَى " وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ " أَيْ وَلَا أَحَد يَغْضَب لَهُمْ فَيَنْصُرهُمْ وَيُنْقِذهُمْ مِنْ عَذَاب اللَّه كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَعْطِف عَلَيْهِمْ ذُو قَرَابَة وَلَا ذُو جَاه وَلَا يُقْبَل مِنْهُمْ فِدَاء هَذَا كُلّه مِنْ جَانِب التَّلَطُّف وَلَا لَهُمْ نَاصِر مِنْ أَنْفُسهمْ وَلَا مِنْ غَيْرهمْ كَمَا قَالَ" فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّة وَلَا نَاصِر " أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَقْبَل فِيمَنْ كَفَرَ بِهِ فِدْيَة وَلَا شَفَاعَة وَلَا يُنْقِذ أَحَدًا مِنْ عَذَابه مُنْقِذ وَلَا يُخَلِّص مِنْهُ أَحَد وَلَا يُجِير مِنْهُ أَحَد كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَهُوَ يُجِير وَلَا يُجَار عَلَيْهِ " وَقَالَ " فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّب عَذَابه أَحَد وَلَا يُوثِق وَثَاقه أَحَد " وَقَالَ " مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمْ الْيَوْم مُسْتَسْلِمُونَ" وَقَالَ " فَلَوْلَا نَصَرَهُمْ الَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُون اللَّه قُرْبَانًا آلِهَة بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ " الْآيَة وَقَالَ : الضَّحَّاك عَنْ اِبْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى " مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ" مَا لَكُمْ الْيَوْم لَا تُمَانِعُونَ مِنَّا هَيْهَاتَ لَيْسَ ذَلِكَ لَكُمْ الْيَوْم قَالَ اِبْن جَرِير وَتَأْوِيل قَوْله " وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ " يَعْنِي أَنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ لَا يَنْصُرهُمْ نَاصِر كَمَا لَا يَشْفَع لَهُمْ شَافِع وَلَا يُقْبَل مِنْهُمْ عَدْل وَلَا فِدْيَة بَطَلَتْ هُنَالِكَ الْمُحَابَاة وَاضْمَحَلَّتْ الرُّشَى وَالشَّفَاعَات وَارْتَفَعَ مِنْ الْقَوْم التَّنَاصُر وَالتَّعَاوُن وَصَارَ الْحُكْم إِلَى الْجَبَّار الْعَدْل الَّذِي لَا يَنْفَع لَدَيْهِ الشُّفَعَاء وَالنُّصَرَاء فَيَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ مِثْلهَا وَبِالْحَسَنَةِ أَضْعَافهَا وَذَلِكَ نَظِير قَوْله تَعَالَى " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمْ الْيَوْم مُسْتَسْلِمُونَ " .
كتب عشوائيه
- مفسدات القلوب [ العشق ]مفسدات القلوب [ العشق ]: قال المصنف - حفظه الله -: «فإن القلب السليم لا تكون له لذة تامة ولا سرور حقيقي إلا في محبة الله - سبحانه -، والتقرُّب إليه بما يحب، والإعراض عن كل محبوب سواه ... وإن أعظم ما يُفسِد القلب ويُبعِده عن الله - عز وجل -: داء العشق؛ فهو مرض يُردِي صاحبَه في المهالك ويُبعِده عن خير المسالك، ويجعله في الغواية، ويُضلُّه بعد الهداية ... فما العشق؟ وما أنواعه؟ وهل هو اختياري أم اضطراري؟ تساؤلات كثيرة أحببنا الإجابة عليها وعلى غيرها من خلال هذا الكتاب».
المؤلف : محمد صالح المنجد
الناشر : موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/355748
- 30 خطوة عملية لتربية الأبناء على العمل لهذا الدين30 خطوة عملية لتربية الأبناء على العمل لهذا الدين: ذكر المؤلف في هذه الرسالة ثلاثين خطوة عملية لتربية الأبناء على العمل لهذا الدين بذكر النماذج المشرقة من أحوال السلف الصالح في تربية أبنائهم على ذلك.
المؤلف : سالم بن ماضي
الناشر : دار القاسم - موقع الكتيبات الإسلامية http://www.ktibat.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/314988
- كيف نربي أطفالناقالت المؤلفة: للمربي الناجح صفات كلما ازداد منها زاد نجاحه في تربية ولده بعد توفيق الله، وقد يكون المربي أباً أو أماً أو أخاً أو أختاً أو عماً أو جداً أو خالاً، أو غير ذلك، وهذا لا يعني أن التربية تقع على عاتق واحد، بل كل من حول الطفل يسهم في تربيته وإن لم يقصد.
المؤلف : ليلى بنت عبد الرحمن الجريبة
الناشر : موقع معرفة الله http://knowingallah.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/370716
- أبحاث مؤتمر تعظيم حرمات الإسلاممؤتمر تعظيم حرمات الإسلام : اختتمت مساء اليوم الأربعاء الخامس من شهر الله المحرم لعام 1428هـ الموافق للرابع والعشرين من شهر يناير لعام 2007م فعاليات مؤتمر (تعظيم حرمات الإسلام) ، الذي استضافته الكويت، ونظمته مجلة " البيان " السعودية، و" مبرة الأعمال الخيرية " الكويتية، وحضره جمع من علماء الأمة ودعاتها ومثقفيها، لتداول الآراء حول ظاهرة التطاول على حرمات الإسلام، والبحث عن أسبابها ودوافعها، واقتراح سبل مواجهتها والحد من آثارها. وقد تناول المؤتمر بالبحث والتمحيص مظاهر الاستهانة بدين الإسلام ورموزه وحرماته، من بعض الجهات التي لا تدين بالإسلام وتعاديه، أو تنتسب إليه لكن لا تعظم شعائره.
المؤلف : جماعة من العلماء
الناشر : مجلة البيان http://www.albayan-magazine.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/168874
- أحكام الخلع في الإسلامأحكام الخلع في الإسلام: كتاب يحتوي على مسائل حسن العشرة بين الزوجين، والنشوز، وبعث الحكمين، والخُلع، مع براهينها من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة.
المؤلف : تقي الدين الهلالي
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/343861