القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة البقرة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) (البقرة) 

يَقُول تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّة وَآمِرًا لَهُمْ بِالصِّيَامِ وَهُوَ الْإِمْسَاك عَنْ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالْوِقَاع بِنِيَّةٍ خَالِصَة لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَا فِيهِ مِنْ زَكَاة النُّفُوس وَطَهَارَتهَا وَتَنْقِيَتهَا مِنْ الْأَخْلَاط الرَّدِيئَة وَالْأَخْلَاق الرَّذِيلَة وَذَكَرَ أَنَّهُ كَمَا أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ فَقَدْ أَوْجَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلهمْ فَلَهُمْ فِيهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ وَلْيَجْتَهِدْ هَؤُلَاءِ فِي أَدَاء هَذَا الْفَرْض أَكْمَل مِمَّا فَعَلَهُ أُولَئِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى " لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَة وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَات" الْآيَة وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " لِأَنَّ الصَّوْم فِيهِ تَزْكِيَة لِلْبَدَنِ وَتَضْيِيق لِمَسَالِك الشَّيْطَان وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ" يَا مَعْشَر الشَّبَاب مَنْ اِسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَة فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" ثُمَّ بَيَّنَ مِقْدَار الصَّوْم وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي كُلّ يَوْم لِئَلَّا يَشُقّ عَلَى النُّفُوس فَتَضْعُف عَنْ حَمْله وَأَدَائِهِ بَلْ فِي أَيَّام مَعْدُودَات وَقَدْ كَانَ هَذَا فِي اِبْتِدَاء الْإِسْلَام يَصُومُونَ مِنْ كُلّ شَهْر ثَلَاثَة أَيَّام ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِصَوْمِ شَهْر رَمَضَان كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الصِّيَام كَانَ أَوَّلًا كَمَا كَانَ عَلَيْهِ الْأُمَم قَبْلنَا مِنْ كُلّ شَهْر ثَلَاثَة أَيَّام عَنْ مُعَاذ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وَقَتَادَة وَالضَّحَّاك بْن مُزَاحِم وَزَادَ لَمْ يَزَلْ هَذَا مَشْرُوعًا مِنْ زَمَان نُوح إِلَى أَنْ نَسَخَ اللَّه ذَلِكَ بِصِيَامِ شَهْر رَمَضَان وَقَالَ عَبَّاد بْن مَنْصُور عَنْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَام كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَات " فَقَالَ نَعَمْ وَاَللَّه لَقَدْ كُتِبَ الصِّيَام عَلَى كُلّ أُمَّة قَدْ خَلَتْ كَمَا كَتَبَهُ عَلَيْنَا شَهْرًا كَامِلًا وَأَيَّامًا مَعْدُودَات عَدَدًا مَعْلُومًا وَرُوِيَ عَنْ السُّدِّيّ نَحْوه وَرَوَى اِبْن أَبِي حَاتِم مِنْ حَدِيث أَبِي عَبْد الرَّحْمَن الْمُقْرِي حَدَّثَنَا سَعِيد بْن أَبِي أَيُّوب حَدَّثَنِي عَبْد اللَّه بْن الْوَلِيد عَنْ أَبِي الرَّبِيع رَجُل مِنْ أَهْل الْمَدِينَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صِيَامُ رَمَضَان كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى الْأُمَم قَبْلكُمْ " فِي حَدِيث طَوِيل اِخْتَصَرَ مِنْهُ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَر الرَّازِيّ عَنْ الرَّبِيع بْن أَنَس عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ أُنْزِلَتْ " كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ" كُتِبَ عَلَيْهِمْ إِذَا صَلَّى أَحَدهمْ الْعَتَمَة وَنَامَ حَرُمَ عَلَيْهِ الطَّعَام وَالشَّرَاب وَالنِّسَاء إِلَى مِثْلهَا قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم وَرُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس وَأَبِي الْعَالِيَة وَعَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى وَمُجَاهِد وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَالرَّبِيع بْن أَنَس وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ نَحْو ذَلِكَ : وَقَالَ عَطَاء الْخُرَاسَانِيّ عَنْ اِبْن عَبَّاس " كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ " يَعْنِي بِذَلِكَ أَهْل الْكِتَاب وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيّ وَالسُّدِّيّ وَعَطَاء الْخُرَاسَانِيّ مِثْله ثُمَّ بَيَّنَ حُكْم الصِّيَام عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْر فِي اِبْتِدَاء الْإِسْلَام فَقَالَ " فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر " أَيْ الْمَرِيض وَالْمُسَافِر لَا يَصُومَانِ فِي حَال الْمَرَض وَالسَّفَر لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَشَقَّة عَلَيْهِمَا بَلْ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ بِعِدَّةِ ذَلِكَ مِنْ أَيَّام أُخَر وَأَمَّا الصَّحِيح الْمُقِيم الَّذِي يُطِيق الصِّيَام فَقَدْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْن الصِّيَام وَبَيْن الْإِطْعَام إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلّ يَوْم مِسْكِينًا فَإِنْ أَطْعَمَ أَكْثَر مِنْ مِسْكِين عَنْ كُلّ يَوْم فَهُوَ خَيْر وَإِنْ صَامَ فَهُوَ أَفْضَل مِنْ الْإِطْعَام قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَمُجَاهِد وَطَاوُس وَمُقَاتِل بْن حَيَّان وَغَيْرهمْ مِنْ السَّلَف وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " . وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْر حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيّ حَدَّثَنَا عَمْرو بْن مُرَّة عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذ بْن جَبَل رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ أُحِيلَتْ الصَّلَاةُ ثَلَاثَة أَحْوَال وَأُحِيلَ الصِّيَام ثَلَاثَة أَحْوَال فَأَمَّا أَحْوَال الصَّلَاة فَإِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَة وَهُوَ يُصَلِّي سَبْعَة عَشَر شَهْرًا إِلَى بَيْت الْمَقْدِس ثُمَّ إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ عَلَيْهِ " قَدْ نَرَى تَقَلُّب وَجْهك فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّك قِبْلَة تَرْضَاهَا " الْآيَة فَوَجَّهَهُ اللَّهُ إِلَى مَكَّة هَذَا حَوْل قَالَ وَكَانُوا يَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ وَيُؤْذِن بِهَا بَعْضهمْ بَعْضًا حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا يَنْقُسُونَ ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ عَبْد اللَّه بْن زَيْد بْن عَبْد رَبّه أَتَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنِّي رَأَيْت فِيمَا يَرَى النَّائِم وَلَوْ قُلْت إِنِّي لَمْ أَكُنْ نَائِمًا لَصَدَقْت إِنِّي بَيْنَا أَنَا بَيْن النَّائِم وَالْيَقْظَان إِذْ رَأَيْت شَخْصًا عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَة فَقَالَ : اللَّه أَكْبَر اللَّه أَكْبَر أَشْهَد أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه - مَثْنَى - حَتَّى فَرَغَ مِنْ الْأَذَان ثُمَّ أَمْهَلَ سَاعَة ثُمَّ قَالَ مِثْل الَّذِي قَالَ غَيْر أَنَّهُ يَزِيد فِي ذَلِكَ : قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ - مَرَّتَيْنِ - قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " عَلِّمْهَا بِلَالًا فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا " فَكَانَ بِلَال أَوَّل مَنْ أَذَّنَ بِهَا : قَالَ وَجَاءَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَقَالَ يَا رَسُول اللَّه قَدْ طَافَ بِي مِثْل الَّذِي طَافَ بِهِ غَيْر أَنَّهُ سَبَقَنِي فَهَذَانِ حَالَانِ قَالَ وَكَانُوا يَأْتُونَ الصَّلَاة وَقَدْ سَبَقَهُمْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِهَا فَكَانَ الرَّجُل يُشِير إِلَى الرَّجُل إِنْ جَاءَ كَمْ صَلَّى فَيَقُول وَاحِدَة أَوْ اِثْنَتَيْنِ فَيُصَلِّيهِمَا ثُمَّ يَدْخُل مَعَ الْقَوْم فِي صَلَاتهمْ قَالَ فَجَاءَ مُعَاذ فَقَالَ لَا أَجِدهُ عَلَى حَال أَبَدًا إِلَّا كُنْت عَلَيْهَا ثُمَّ قَضَيْت مَا سَبَقَنِي قَالَ فَجَاءَ وَقَدْ سَبَقَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِهَا قَالَ فَثَبَتَ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَقَضَى فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهُ قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا " فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَحْوَال وَأَمَّا أَحْوَال الصِّيَام فَإِنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ الْمَدِينَة فَجَعَلَ يَصُوم مِنْ كُلّ شَهْر ثَلَاثَة أَيَّام وَصَامَ عَاشُورَاء ثُمَّ إِنَّ اللَّه فَرَضَ عَلَيْهِ الصِّيَام وَأَنْزَلَ اللَّه تَعَالَى " يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ" إِلَى قَوْله " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين" فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَطْعَمَ مِسْكِينًا فَأَجْزَأَ ذَلِكَ عَنْهُ ثُمَّ إِنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ الْآيَة الْأُخْرَى" شَهْر رَمَضَان الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآن " إِلَى قَوْله " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ " فَأَثْبَتَ اللَّهُ صِيَامَهُ عَلَى الْمُقِيم الصَّحِيح وَرَخَّصَ فِيهِ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِر وَثَبَتَ الْإِطْعَام لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصِّيَام فَهَذَانِ حَالَانِ قَالَ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاء مَا لَمْ يَنَامُوا فَإِذَا نَامُوا اِمْتَنَعُوا ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَار يُقَال لَهُ صِرْمَة كَانَ يَعْمَل صَائِمًا حَتَّى أَمْسَى فَجَاءَ إِلَى أَهْله فَصَلَّى الْعِشَاء ثُمَّ نَامَ فَلَمْ يَأْكُل وَلَمْ يَشْرَب حَتَّى أَصْبَحَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا فَرَآهُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ جَهِدَ جَهْدًا شَدِيدًا فَقَالَ " مَالِي أَرَاك قَدْ جَهَدْت جَهْدًا شَدِيدًا ؟ قَالَ يَا رَسُول اللَّه إِنِّي عَمِلْت أَمْس فَجِئْت حِين جِئْت فَأَلْقَيْت نَفْسِي فَنِمْت فَأَصْبَحْت حِين أَصْبَحْت صَائِمًا قَالَ وَكَانَ عُمَر قَدْ أَصَابَ مِنْ النِّسَاء بَعْد مَا نَامَ فَأَتَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ " - إِلَى قَوْله - " ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْل " وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث الْمَسْعُودِيّ بِهِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم مِنْ حَدِيث الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ عَاشُورَاء يُصَام فَلَمَّا نَزَلَ فَرْض رَمَضَان كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَرَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن مَسْعُود مِثْله . وَقَوْله تَعَالَى " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين " كَمَا قَالَ مُعَاذ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَانَ فِي اِبْتِدَاء الْأَمْر مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلّ يَوْم مِسْكِينًا وَهَكَذَا رَوَى الْبُخَارِيّ عَنْ سَلَمَة بْن الْأَكْوَع أَنَّهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين" كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِر يَفْتَدِي حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَة الَّتِي بَعْدهَا فَنَسَخَتْهَا وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيث عُبَيْد اللَّه عَنْ نَافِع عَنْ اِبْن عُمَر قَالَ هِيَ مَنْسُوخَة : وَقَالَ السُّدِّيّ عَنْ مُرَّة عَنْ عَبْد اللَّه قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين" قَالَ يَقُول " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ " أَيْ يَتَجَشَّمُونَهُ : قَالَ عَبْد اللَّه فَكَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ وَأَطْعَمَ مِسْكِينًا " فَمَنْ تَطَوَّعَ " يَقُول أَطْعِمْ مِسْكِينًا آخَر فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ " وَأَنْ تَصُومُوا خَيْر لَكُمْ " فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى نَسَخَتْهَا " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ" وَقَالَ الْبُخَارِيّ أَيْضًا أَخْبَرَنَا إِسْحَاق حَدَّثَنَا رَوْح حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْن إِسْحَاق حَدَّثَنَا عَمْرو بْن دِينَار عَنْ عَطَاء سَمِعَ اِبْن عَبَّاس يَقْرَأ " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَام مِسْكِين " قَالَ اِبْن عَبَّاس لَيْسَتْ مَنْسُوخَة هُوَ الشَّيْخ الْكَبِير وَالْمَرْأَة الْكَبِيرَة لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَان كُلّ يَوْم مِسْكِينًا وَهَكَذَا رَوَى غَيْر وَاحِد عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس نَحْوه وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا عَبْد الرَّحِيم بْن سُلَيْمَان عَنْ أَشْعَث بْن سَوَّار عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة " وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَة طَعَامُ مِسْكِين " فِي الشَّيْخ الْكَبِير الَّذِي لَا يُطِيق الصَّوْم ثُمَّ ضَعُفَ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يُطْعِم مَكَان كُلّ يَوْم مِسْكِينًا وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بَكْر بْن مَرْدَوَيْهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد حَدَّثَنَا الْحُسَيْن بْن مُحَمَّد بْن بَهْرَام الْمَخْزُومِيّ حَدَّثَنَا وَهْب بْن بَقِيَّة حَدَّثَنَا خَالِد بْن عَبْد اللَّه عَنْ اِبْن أَبِي لَيْلَى قَالَ دَخَلَتْ عَلَى عَطَاء فِي رَمَضَان وَهُوَ يَأْكُل فَقَالَ : قَالَ اِبْن عَبَّاس نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فَنَسَخَتْ الْأُولَى إِلَّا الْكَبِير الْفَانِي إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَنْ كُلّ يَوْم مِسْكِينًا وَأَفْطَرَ - فَحَاصِلُ الْأَمْرِ أَنَّ النَّسْخ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ بِإِيجَابِ الصِّيَام عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ" فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْر فَلْيَصُمْهُ " وَأَمَّا الشَّيْخ الْفَانِي الْهَرَم الَّذِي لَا يَسْتَطِيع الصِّيَام فَلَهُ أَنْ يُفْطِر وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ حَالٌ يَصِير إِلَيْهَا يَتَمَكَّن فِيهَا مِنْ الْقَضَاء وَلَكِنْ هَلْ يَجِب عَلَيْهِ إِذَا أَفْطَرَ أَنْ يُطْعِم عَنْ كُلّ يَوْم مِسْكِينًا إِذَا كَانَ ذَا جِدَة ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ أَحَدهمَا لَا يَجِب عَلَيْهِ إِطْعَام لِأَنَّهُ ضَعِيف عَنْهُ لِسِنِّهِ فَلَمْ يَجِب عَلَيْهِ فِدْيَة كَالصَّبِيِّ لِأَنَّ اللَّه لَا يُكَلِّف نَفْسًا إِلَّا وُسْعهَا وَهُوَ أَحَد قَوْلَيْ الشَّافِعِيّ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح وَعَلَيْهِ أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ فِدْيَة عَنْ كُلّ يَوْم كَمَا فَسَّرَهُ اِبْن عَبَّاس وَغَيْره مِنْ السَّلَف عَلَى قِرَاءَة مَنْ قَرَأَ وَ " عَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ " أَيْ يَتَجَشَّمُونَهُ كَمَا قَالَهُ اِبْن مَسْعُود وَغَيْره وَهُوَ اِخْتِيَار الْبُخَارِيّ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَمَّا الشَّيْخ الْكَبِير إِذَا لَمْ يُطِقْ الصِّيَام فَقَدْ أَطْعَمَ أَنَس بَعْد مَا كَبِرَ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ عَنْ كُلّ يَوْم مِسْكِينًا خُبْزًا وَلَحْمًا وَأَفْطَرَ وَهَذَا الَّذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيّ قَدْ أَسْنَدَهُ الْحَافِظ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيّ فِي مُسْنَده فَقَالَ حَدَّثَنَا عَبْد اللَّه بْن مُعَاذ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عِمْرَان عَنْ أَيُّوب بْن أَبِي تَمِيمَة قَالَ ضَعُفَ أَنَس عَنْ الصَّوْم فَصَنَعَ جَفْنَة مِنْ ثَرِيد فَدَعَا ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا فَأَطْعَمَهُمْ وَرَوَاهُ عَبْد بْن حُمَيْد عَنْ رَوْح بْن عُبَادَة عَنْ عِمْرَان وَهُوَ اِبْن جَرِير عَنْ أَيُّوب بِهِ وَرَوَاهُ عَبْد أَيْضًا مِنْ حَدِيث سِتَّة مِنْ أَصْحَاب أَنَس عَنْ أَنَس بِمَعْنَاهُ . وَمِمَّا يَلْتَحِق بِهَذَا الْمَعْنَى الْحَامِل وَالْمُرْضِع إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسهمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا فَفِيهِمَا خِلَاف كَثِير بَيْن الْعُلَمَاء فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُفْطِرَانِ وَيَفْدِيَانِ وَيَقْضِيَانِ وَقِيلَ يَفْدِيَانِ فَقَطْ وَلَا قَضَاء وَقِيلَ يَجِب الْقَضَاء بِلَا فِدْيَة وَقِيلَ يُفْطِرَانِ وَلَا فِدْيَة وَلَا قَضَاء وَقَدْ بَسَطْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَة مُسْتَقْصَاة فِي كِتَاب الصِّيَام الَّذِي أَفْرَدْنَاهُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ .
كتب عشوائيه
- المقتبس من اللهجات العربية والقرآنيةالمقتبس من اللهجات العربية والقرآنية: قال المُصنِّف - رحمه الله -: «فقد اتَّجه كثيرٌ من الدارسين في العصر الحديثِ إلى دراسةِ اللهجات العربية الحديثة ودراسة اللهجات مبحث جديد من مباحِث علمِ اللغة. لذلك فقد اتَّجَهت إليه جهودُ العلماء، واهتمَّت به مجامِعهم وجامعاتهم حتى أصبحَ عنصرًا مهمًّا في الدراسات اللغوية». ثم ذكرَ - رحمه الله - بعضَ الدراسات في اللهجات العربية الحديثة، وثنَّى بعد ذلك سببَ دراسته لهذا البابِ، ومراحل دراسته، قال: «أما دراستي لهذه اللهجات فهي دراسةٌ لغويةٌ وصفيةٌ تحليليةٌّ تُسجّل أهم الظواهر اللغوية للهجة من النواحي: الصوتية - والصرفية - والنحوية - ثم شرحَها والتعليل لما يُمكِن تعليلُه منها».
المؤلف : محمد سالم محيسن
الناشر : موقع الدكتور محمد محيسن http://www.mehesen.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/384384
- الروض الناضر في سيرة الإمام الباقرالروض الناضر في سيرة الإمام الباقر: يتناول الكتاب هدي أحد أئمة المسلمين وأئمة آل البيت وهو الإمام محمد بن علي بن الحسين المعروف ب(الباقر)، و سبب تناول هذا الموضوع: أولاً: هو ندرة الكتب التي استقصت كل ما ورد عن الإمام الباقر من روايات صحيحة على المستوى العقائدي و الفقهي و الأخلاقي. ثانياً: الدفاع عن هذا الإمام و الذب عنه، فقد نسب إليه أباطيل اتخذها أصحاب الأهواء رداءًا يلتحفون به وجعلوها ملجأً يلتجئون إليه لتبرير شذوذهم وضلالهم، ثم لبّسوا على عامة المسلمين وجعلوا هذا الشذوذ والضلال ديناً يتقربون به إلى الله . ثالثاً: الحب الذي يكنهّ كل مسلم لمن ينحدر من نسل نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه والذي يحثنا على التعرّف على ترجمة أعلام بيت النبوة واستطلاع سيرتهم الطيبة العطرة.
المؤلف : بدر بن محمد باقر
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/60170
- المرتبع الأسنى في رياض الأسماء الحسنىالمرتبع الأسنى في رياض الأسماء الحسنى : هذا الكتاب يتضمن ثلاثين باباً يتعلق بعلم الأسماء والصفات قام المؤلف بجمعها من كتب الإمام ابن القيم - رحمه الله -.
المؤلف : عبد العزيز الداخل
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/285591
- الاعتصامالاعتصام للشاطبي : كتاب الاعتصام دعوة إصلاحية قوامها الرجوع بأمة الإسلام إلى كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وترك ما سواها وما سواها إلا ابتداع مصدره الهوى. وقد تضمن عشرة أبواب؛ جعل الباب الأول منها لتعريف البدع وبيان معانيها ، والثاني خصصه لذمها وتوضيح آثارهاالسيئة ، وجعل الباب الثالث : مكملاً له ، وبين في الباب الرابع طرق استدلال المبتدعة على ما زعموه من صحة بدعهم ، أما الباب الخامس فخصصه لبيان الفرق بين البدع الحقيقية والبدع الاضافية . وفصل في الباب السادس أحكام البدع وفي الباب السابع : تكلم عن البدع من حيث سريانهافي قسمي الشريعة من عبادات ، ومعاملات ، وحدد في الباب الثامن الفرق بين البدع والاجتهاد والذي أصله المصالح المرسلة أو الاستحسان . ثم بين في الباب التاسع : الأسباب التي تجعل أهل البدع خارجين عن صف الأمة . وفي الباب العاشر والأخير أوضح سبيل السنة القويم الذي خرج عنه أهل البدع والأهواء بما ابتدعوه في دينهم من ضلال. وقد ظهر للمحقق أن الكتاب - بجميع طبعاته السابقة - لم يظهر نصه صحيحاً سليماً. ويمتاز هذا التحقيق باعتماده على نسخة جديدة وصفها المحقق بأنها أجود نسخة خطية للكتاب، كما يمتاز بـ (25 ) فهرساً متنوعاً تقع في الجزء الرابع من أجزاء الكتاب الأربعة. - والكتاب نسخة مصورة pdf تم تنزيلها من موقع المحقق الشيخ مشهور حسن سلمان - أثابه الله -.
المؤلف : أبو إسحاق الشاطبي
المدقق/المراجع : مشهور حسن سلمان
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/280396
- العروة الوثقى في ضوء الكتاب والسنةالعروة الوثقى في ضوء الكتاب والسنة: قال المؤلف في مقدمة الكتاب: «فهذه رسالة مختصرة في كلمة التوحيد: العروة الوثقى، والكلمة الطيبة، وكلمة التقوى، وشهادة الحق، ودعوة الحق: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، جمعتُها لنفسي ولمن شاء الله تعالى من عباده».
المؤلف : سعيد بن علي بن وهف القحطاني
الناشر : المكتب التعاوني للدعوة وتوعية الجاليات بالربوة http://www.IslamHouse.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/193636