القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة هود
إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) (هود) 

وَقَوْله " إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك " أَيْ إِلَّا الْمَرْحُومِينَ مِنْ أَتْبَاع الرُّسُل الَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِمَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الَّذِينَ أَخْبَرَتْهُمْ بِهِ رُسُل اللَّه إِلَيْهِمْ وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبَهُمْ حَتَّى كَانَ النَّبِيّ وَخَاتَم الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء فَاتَّبَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ وَوَازَرُوهُ فَفَازُوا بِسَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة لِأَنَّهُمْ الْفِرْقَة النَّاجِيَة كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث الْمَرْوِيّ فِي الْمَسَانِيد وَالسُّنَن مِنْ طُرُق يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا " إِنَّ الْيَهُودَ اِفْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَة وَأَنَّ النَّصَارَى اِفْتَرَقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَة وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الْأُمَّة عَلَى ثَلَاث وَسَبْعِينَ فِرْقَة كُلّهَا فِي النَّار إِلَّا فِرْقَة وَاحِدَة " قَالُوا : وَمَنْ هُمْ يَا رَسُول اللَّهِ ؟ قَالَ " مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي " رَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه بِهَذِهِ الزِّيَادَة وَقَالَ عَطَاء " وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ " يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس" إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك " يَعْنِي الْحَنِيفِيَّة وَقَالَ قَتَادَة : أَهْل رَحْمَة اللَّه أَهْل الْجَمَاعَة وَإِنْ تَفَرَّقَتْ دِيَارهمْ وَأَبْدَانهمْ وَأَهْل مَعْصِيَته أَهْل فُرْقَة وَإِنْ اِجْتَمَعَتْ دِيَارهمْ وَأَبْدَانهمْ وَقَوْله " وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي رِوَايَة عَنْهُ وَلِلِاخْتِلَافِ خَلَقَهُمْ وَقَالَ مَكِّيّ بْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس : خَلَقَهُمْ فَرِيقَيْنِ كَقَوْلِهِ " فَمِنْهُمْ شَقِيّ وَسَعِيد وَقِيلَ لِلرَّحْمَةِ خَلَقَهُمْ قَالَ اِبْن وَهْب : أَخْبَرَنِي مُسْلِم بْن خَالِد عَنْ اِبْن أَبِي نَجِيح عَنْ طَاوُس أَنَّ رَجُلَيْنِ اِخْتَصَمَا إِلَيْهِ فَأَكْثَرَا فَقَالَ طَاوُس اِخْتَلَفْتُمَا وَأَكْثَرْتُمَا فَقَالَ أَحَد الرَّجُلَيْنِ لِذَلِكَ خَلَقَنَا فَقَالَ طَاوُس كَذَبْت فَقَالَ أَلَيْسَ اللَّه يَقُول " وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبّك وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " قَالَ لَمْ يَخْلُقهُمْ لِيَخْتَلِفُوا وَلَكِنْ خَلَقَهُمْ لِلْجَمَاعَةِ وَالرَّحْمَة كَمَا قَالَ الْحَكَم بْن أَبَان عَنْ عِكْرِمَة عَنْ اِبْن عَبَّاس قَالَ : لِلرَّحْمَةِ خَلَقَهُمْ وَلَمْ يَخْلُقْهُمْ لِلْعَذَابِ , وَكَذَا قَالَ مُجَاهِد وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَيَرْجِع مَعْنَى هَذَا الْقَوْل إِلَى قَوْله تَعَالَى " وَمَا خَلَقْت الْجِنّ وَالْإِنْس إِلَّا لِيَعْبُدُونِ " وَقِيلَ بَلْ الْمُرَاد وَلِلرَّحْمَةِ وَالِاخْتِلَاف خَلَقَهُمْ كَمَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي رِوَايَة عَنْهُ فِي قَوْله " وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبّك وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " قَالَ النَّاس مُخْتَلِفُونَ عَلَى أَدْيَان شَتَّى " إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّك " فَمَنْ رَحِمَ رَبّك غَيْر مُخْتَلِف فَقِيلَ لَهُ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ قَالَ خَلَقَ هَؤُلَاءِ لِجَنَّتِهِ وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِنَارِهِ وَخَلَقَ هَؤُلَاءِ لِعَذَابِهِ , وَكَذَا قَالَ عَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَالْأَعْمَش وَقَالَ اِبْن وَهْب سَأَلْت مَالِكًا عَنْ قَوْله تَعَالَى " وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبّك وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " قَالَ فَرِيق فِي الْجَنَّة وَفَرِيق فِي السَّعِير , وَقَدْ اِخْتَارَ هَذَا الْقَوْل اِبْن جَرِير وَأَبُو عُبَيْد الْفَرَّاء وَعَنْ مَالِك فِيمَا رُوِّينَا عَنْهُ مِنْ التَّفْسِير " وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ " قَالَ لِلرّحْمَةِ وَقَالَ قَوْم لِلِاخْتِلَافِ وَقَوْله " وَتَمَّتْ كَلِمَة رَبّك لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّم مِنْ الْجِنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ " يُخْبِر تَعَالَى أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ فِي قَضَائِهِ وَقَدَره لِعِلْمِهِ التَّامّ وَحِكْمَته النَّافِذَة أَنَّ مِمَّنْ خَلَقَهُ مَنْ يَسْتَحِقّ الْجَنَّة وَمِنْهُمْ مِنْ يَسْتَحِقّ النَّار وَأَنَّهُ لَا بُدّ أَنْ يَمْلَأ جَهَنَّم مِنْ هَذَيْنَ الثَّقَلَيْنِ الْجِنّ وَالْإِنْس وَلَهُ الْحُجَّة الْبَالِغَة وَالْحِكْمَة التَّامَّة. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلِّي اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اِخْتَصَمَتْ الْجَنَّة وَالنَّار فَقَالَتْ الْجَنَّة مَا لِي لَا يَدْخُلنِي إِلَّا ضُعَفَاء النَّاس وَسَقَطهمْ وَقَالَتْ النَّار أُوثِرْت بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ فَقَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لِلْجَنَّةِ : أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَم بِك مَنْ أَشَاء وَقَالَ لِلنَّارِ أَنْتِ عَذَابِي أَنْتَقِم بِك مِمَّنْ أَشَاء وَلِكُلِّ وَاحِدَة مِنْكُمَا مِلْؤُهَا فَأَمَّا الْجَنَّة فَلَا يَزَال فِيهَا فَضْل حَتَّى يُنْشِئ اللَّه لَهَا خَلْقًا يَسْكُن فَضْل الْجَنَّة وَأَمَّا النَّار فَلَا تَزَال تَقُول هَلْ مِنْ مَزِيد حَتَّى يَضَع عَلَيْهَا رَبّ الْعِزَّة قَدَمَهُ فَتَقُول قَطْ قَطْ وَعِزَّتك " .
كتب عشوائيه
- صحيح مسلمصحيح مسلم: في هذه الصفحة نسخة الكترونية مفهرسة، تتميز بسهولة التصفح والوصول إلى الحديث من كتاب صحيح مسلم والذي يلي صحيحَ البخاري في الصحة، وقد اعتنى مسلمٌ - رحمه الله - بترتيبه، فقام بجمع الأحاديث المتعلقة بموضوع واحد فأثبتها في موضع واحد، ولَم يُكرِّر شيئاً منها في مواضع أخرى، إلاَّ في أحاديث قليلة بالنسبة لحجم الكتاب، ولَم يضع لكتابه أبواباً، وهو في حكم المُبوَّب؛ لجمعه الأحاديث في الموضوع الواحد في موضع واحد. قال النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم: " ومن حقق نظره في صحيح مسلم - رحمه الله - واطلع على ما أودعه في أسانيده وترتيبه وحسن سياقه وبديع طريقته من نفائس التحقيق وجواهر التدقيق وأنواع الورع والاحتياط والتحري في الرواية وتلخيص الطرق واختصارها وضبط متفرقها وانتشارها وكثرة إطلاعه واتساع روايته وغير ذلك مما فيه من المحاسن والأعجوبات واللطائف الظاهرات والخفيَّات علم أنَّه إمام لا يلحقه من بَعُد عصره وقل من يساويه بل يدانيه من أهل وقته ودهره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ". وقال الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب: " قلت: حصل لمسلم في كتابه حظ عظيم مفرط لم يحصل لأحد مثله ٍ بحيث أن بعض الناس كان يفضله على صحيح محمد بن إسماعيل وذلك لما اختص به من جمع الطرق وجودة السياق والمحافظة على أداء الألفاظ من غير تقطيع ولا رواية بمعنى وقد نسج على منواله خلق من النيسابوريين فلم يبلغوا شأوه وحفظت منهم أكثر من عشرين إماما ممن صنف المستخرج على مسلم، فسبحان المعطي الوهاب ".
المؤلف : مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري
الناشر : موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/140676
- بدائع المعاني: آيات الصيام تدبر وتحليلبدائع المعاني: آيات الصيام تدبر وتحليل: قال المؤلف: «في هذا الكتاب محاولة لتدبر آيات الصيام في سورة البقرة».
المؤلف : عبد المحسن بن عبد العزيز العسكر
الناشر : مركز التدبر للاستشارات التربوية والتعليمية http://tadabbor.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/332060
- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعةتعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة : أصل هذا السفر العظيم تعجيل المنفعة كتاب "التذكرة في رجال الكتاب العشرة" لأبي المحاسن شمس الدين محمد بن حمزة الحسيني الشافعي (715-765) حيث اختصر فيه كتاب "تهذيب الكمال" للحافظ المزي، وأضاف لتراجمة من في "مسند أبي حنيفة للحارثي"، و"الموطأ" لمالك، والمسند للشافعي، ومسند الإمام أحمد، وقال في أوله: "ذكرت فيها رجال كتب الأئمة الربعة المقتدى بهم، أن عمدتهم في استدلالهم لمذاهبهم في الغالب على ما رووه بأسانيدهم في مسانيدهم" ثم أفاد الحافظ ابن حجر من هذا الكتاب فحذف رجال الأئمة الستة، واكتفى بإيرادهم في كتاب "تهذيب التهذيب" وسلخ ما ذكره الحافظ الحسيني في رجال الأئمة الأربعة، فبدأ بما قاله ثم يعقب أو يسترد ألفاظ جرح وتعديل أو شيوخ للراوي المترجم.
المؤلف : ابن حجر العسقلاني
الناشر : موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/141380
- مفسدات القلوب [ النفاق ]وصف النبي المنافق بالغدر والخيانة والكذب والفجور; لأن صاحبه يظهر خلاف ما يبطن; فهو يدعي الصدق وهو يعلم أنه كاذب; ويدعي الأمانة وهو يعلم أنه خائن; ويدعي المحافظة على العهد وهو غادر به; ويرمي خصومه بالافتراءات وهو يعلم أنه فاجر فيها; فأخلاقه كلها مبنية على التدليس والخداع; ويخشى على من كانت هذه حاله أن يبتلى بالنفاق الأكبر.
المؤلف : محمد صالح المنجد
الناشر : موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/340010
- الرحيق المختوم [ بحث في السيرة النبوية ]الرحيق المختوم: تحتوي هذه الصفحة على نسخة وورد، ومصورة pdf، والكترونية مفهرسة من كتاب الرحيق المختوم، مع ترجمته إلى 13 لغة عالمية؛ فلقد حظيت سيرة صاحب الرسالة العظمى - صلى الله عليه وسلم - باهتمام العلماء والمحدثين والكتاب والمؤرخين، المتقدمين منهم والمتأخرين، وكل من هؤلاء الأعلام يغوص في ثبج هذا البحر الزاخر، ويستصفي منه يتيم الجوهر ونفيس الدرر. فمنهم من عني باستخلاص دلائل الإعجاز والخصائص النبوية، ومنهم من صمد إلى الإبانة عن أحداث الغزوات وتفاصيل المعارك، ومنهم من أفاض في ذكر فقهها واستخلاص أحكامها وعبرها، ومنهم من استجلى مواقف عظمة هذه النفس الزكية. ولا تزال وستبقى سيرة هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ملهمة لأولي الأقلام اللامعة والدراسات العميقة، للاستهداء بهديها والتأسي بصاحبها صلى الله عليه وسلم. وممن أسهم في هذا المضمار ونهل من هذا المعين الصافي الشيخ صفي الرحمن المباركفوري - رحمه الله - في كتابنا هذا؛ حيث كتب عن السيرة فصولاً مضيئة، وموازنات فريدة، وربط الأحداث ببعضها ربطاً متماسكاً بأسلوب بديع أخاذ، حيث استخلص من كتب الأقدمين فوائد بلورها في إيجاز غير مخل، وتطويل غير ممل، فجاء كافياً وافياً. وفي زماننا هذا الذي أضحى الناس فيه يلهثون وراء مناهج فاسدة ويسلكون سبلاً معوجة .. تبرز أهمية دراسة السيرة العطرة؛ لتوضح لنا معالم الطريق المستقيم، وعظمة هذا النبي الكريم، عسى أن يكون هذا باعثاً لنا على إصلاح ما أفسده بعدنا عن المنهج الإلهي، والتأسي بمنقذ البشرية من الضلال والتيه صلى الله عليه وسلم.
المؤلف : صفي الرحمن المباركفوري
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2382