القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة آل عمران
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) (آل عمران) 
يُخْبِر تَعَالَى إِخْبَارًا عَامًّا يَعُمّ جَمِيع الْخَلِيقَة بِأَنَّ كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت كَقَوْلِهِ تَعَالَى " كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْه رَبّك ذُو الْجَلَال وَالْإِكْرَام " فَهُوَ تَعَالَى وَحْده الَّذِي لَا يَمُوت وَالْجِنَّ وَالْإِنْس يَمُوتُونَ وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَة وَحَمَلَة الْعَرْش وَيَنْفَرِد الْوَاحِد الْأَحَد الْقَهَّار بِالدَّيْمُومَةِ وَالْبَقَاء فَيَكُون آخِرًا كَمَا كَانَ أَوَّلًا وَهَذِهِ الْآيَة فِيهَا تَعْزِيَة لِجَمِيعِ النَّاس فَإِنَّهُ لَا يَبْقَى أَحَد عَلَى وَجْه الْأَرْض حَتَّى يَمُوت فَإِذَا اِنْقَضَتْ الْعِدَّة وَفَرَغَتْ النُّطْفَة الَّتِي قَدَّرَ اللَّه وُجُودهَا مِنْ صُلْب آدَم وَانْتَهَتْ الْبَرِيَّة أَقَامَ اللَّه الْقِيَامَة وَجَازَى الْخَلَائِق بِأَعْمَالِهَا جَلِيلهَا وَحَقِيرهَا قَلِيلهَا وَكَثِيرهَا كَبِيرهَا وَصَغِيرهَا فَلَا يَظْلِم أَحَدًا مِثْقَال ذَرَّة وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى " وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ يَوْم الْقِيَامَة " قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا عَبْد الْعَزِيز الْأُوَيْسِيّ حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن أَبِي عَلِيّ الْهَاشِمِيّ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد بْن عَلِيّ بْن الْحُسَيْن عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيّ بْن أَبَى طَالِب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَتْ التَّعْزِيَة جَاءَهُمْ آتٍ يَسْمَعُونَ حِسّه وَلَا يَرَوْنَ شَخْصه فَقَالَ : السَّلَام عَلَيْكُمْ أَهْل الْبَيْت وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته " كُلّ نَفْس ذَائِقَة الْمَوْت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُوركُمْ يَوْم الْقِيَامَة " إِنَّ فِي اللَّه عَزَاء مِنْ كُلّ مُصِيبَة وَخَلَفًا مِنْ كُلّ هَالِك وَدَرَكًا مِنْ كُلّ فَائِت فَبِاَللَّهِ فَثِقُوا وَإِيَّاهُ فَارْجُوا فَإِنَّ الْمُصَاب مَنْ حُرِمَ الثَّوَاب وَالسَّلَام عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة اللَّه وَبَرَكَاته قَالَ جَعْفَر بْن مُحَمَّد فَأَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب قَالَ : أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا ؟ هَذَا الْخَضِر عَلَيْهِ السَّلَام . وَقَوْله " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ " أَيْ مَنْ جُنِّبَ النَّار وَنَجَا مِنْهَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ كُلّ الْفَوْز قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه الْأَنْصَارِيّ حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عَمْرو بْن عَلْقَمَة عَنْ أَبِي سَلَمَة عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَوْضِع سَوْط فِي الْجَنَّة خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا اِقْرَءُوا إِنْ شُئِمَ " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ " هَذَا حَدِيث ثَابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْر هَذَا الْوَجْه بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَة . وَقَدْ رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة أَبُو حَاتِم وَابْن حِبَّان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْرَكه مِنْ حَدِيث مُحَمَّد بْن عَمْرو . هَذَا وَرَوَاهُ اِبْن مَرْدُوَيه مِنْ وَجْه آخَر فَقَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن إِبْرَاهِيم حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن يَحْيَى أَنْبَأَنَا حُمَيْد بْن مَسْعَدَة أَنْبَأَنَا عَمْرو بْن عَلِيّ عَنْ أَبِي حَازِم عَنْ سَهْل بْن سَعْد قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " لَمَوْضِع سَوْط أَحَدكُمْ فِي الْجَنَّة خَيْر مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَة " فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّار وَأُدْخِلَ الْجَنَّة فَقَدْ فَازَ " وَتَقَدَّمَ عِنْد قَوْله تَعَالَى " وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " مَا رَوَاهُ وَكِيع بْن الْجَرَّاح فِي تَفْسِيره عَنْ الْأَعْمَش عَنْ زَيْد بْن وَهْب عَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن عَبْد رَبّ الْكَعْبَة عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن الْعَاص قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَح عَنْ النَّار وَيُدْخَل الْجَنَّة فَلْتُدْرِكْهُ مَنِيَّته وَهُوَ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاس مَا يُحِبّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ " . وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده عَنْ وَكِيع بِهِ وَقَوْله تَعَالَى " وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " تَصْغِير لِشَأْنِ الدُّنْيَا وَتَحْقِير لِأَمْرِهَا وَأَنَّهَا دَنِيئَة فَانِيَة قَلِيلَة زَائِلَة كَمَا قَالَ تَعَالَى " بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَالْآخِرَة خَيْر وَأَبْقَى " وَقَالَ " وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْء فَمَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا وَزِينَتهَا وَمَا عِنْد اللَّه خَيْر وَأَبْقَى " . وَفِي الْحَدِيث " وَاَللَّه مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلَّا كَمَا يَغْمِس أَحَدكُمْ أُصْبُعه فِي الْيَمّ فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِع إِلَيْهِ " وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْله تَعَالَى " وَمَا الْحَيَاة الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاع الْغُرُور " قَالَ : هِيَ مَتَاع مَتْرُوكَة أَوْشَكَتْ وَاَللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ أَنْ تَضْمَحِلّ عَنْ أَهْلهَا فَخُذُوا مِنْ هَذَا الْمَتَاع طَاعَة اللَّه إِنْ اِسْتَطَعْتُمْ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاَللَّهِ .
كتب عشوائيه
- التحفة القدسية في اختصار الرحبيةمتن الرحبية : متن منظوم في علم الفرائض - المواريث - عدد أبياته (175) بيتاً من بحر الرجز وزنه « مستفعلن » ست مرات، وهي من أنفع ما صنف في هذا العلم للمبتدئ، وقد صنفها العلامة أبي عبد الله محمد بن علي بن محمد الحسن الرحبي الشافعي المعروف بابن المتقنة، المتوفي سنة (557هـ) - رحمه الله تعالى -، وقام الشيخ ابن الهائم - رحمه الله تعالى - باختصارها ليسهل حفظها على من عجز حفظ الأصل.
المؤلف : ابن الهائم
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/2476
- التنبيهات السنية على العقيدة الواسطيةالعقيدة الواسطية : رسالة نفيسة لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - ذكر فيها جمهور مسائل أصول الدين، ومنهج أهل السنة والجماعة في مصادر التلقي التي يعتمدون عليها في العقائد؛ لذا احتلت مكانة كبيرة بين علماء أهل السنة وطلبة العلم، لما لها من مميزات عدة من حيث اختصار ألفاظها ودقة معانيها وسهولة أسلوبها، وأيضاً ما تميزت به من جمع أدلة أصول الدين العقلية والنقلية؛ لذلك حرص العلماء وطلبة العلم على شرحها وبيان معانيها، ومن هذه الشروح شرح فضيلة الشيخ عبد العزيز الرشيد - رحمه الله -، وهي نسخة مصورة من إصدار دار الرشيد.
المؤلف : عبد العزيز الناصر الرشيد
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/107039
- أسئلة وأجوبة في الإيمان والكفرأسئلة وأجوبة في الإيمان والكفر: بعض الأسئلة التي عرضت على فضيلة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي - حفظه الله - في مسائل الإيمان والكفر، وأجاب عليها بهذه الأجوبة، نسأل الله أن ينفع بها وأن يجعلها في موازين حسناته.
المؤلف : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1951
- شرح كتاب الطهارة من بلوغ المرامشرح كتاب الطهارة من بلوغ المرام: شرحٌ مُيسَّرٌ لباب الآنية من كتاب الطهارة من الكتاب النافع: «بلوغ المرام».
المؤلف : عبد العزيز بن مرزوق الطريفي
الناشر : شبكة الألوكة http://www.alukah.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/314983
- وسائل الثبات على دين اللهوسائل الثبات على دين الله: فإن الثبات على دين الله مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشد. ولا شك عند كل ذي لُبٍّ أن حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظم من حاجة أخيه أيام السلف، والجهد المطلوب لتحقيقه أكبر؛ لفساد الزمان، ونُدرة الأخوان، وضعف المُعين، وقلَّة الناصر. ومن رحمة الله - عز وجل - بنا أن بيَّن لنا في كتابه وعلى لسان نبيِّه وفي سيرته - عليه الصلاة والسلام - وسائل كثيرة للثبات. وفي هذه الرسالة بعضٌ من هذه الوسائل.
المؤلف : محمد صالح المنجد
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/344364












