القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة الأنبياء
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ (79) (الأنبياء) 
وَقَوْله " فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَان وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا " قَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مُوسَى بْن إِسْمَاعِيل حَدَّثَنَا حَمَّاد عَنْ حُمَيْد أَنَّ إِيَاس اِبْن مُعَاوِيَة لَمَّا اِسْتَقْضَى أَتَاهُ الْحَسَن فَبَكَى فَقَالَ مَا يُبْكِيك ؟ قَالَ يَا أَبَا سَعِيد بَلَغَنِي أَنَّ الْقُضَاة رَجُل اِجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَهُوَ فِي النَّار وَرَجُل مَالَ بِهِ الْهَوَى فَهُوَ فِي النَّار وَرَجُل اِجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَهُوَ فِي الْجَنَّة فَقَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : إِنَّ فِيمَا قَصَّ اللَّه مِنْ نَبَأ دَاوُد وَسُلَيْمَان عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْأَنْبِيَاء حُكْمًا يَرُدّ قَوْل هَؤُلَاءِ النَّاس عَنْ قَوْلهمْ قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَدَاوُد وَسُلَيْمَان إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْث إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَم الْقَوْم وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ " فَأَثْنَى اللَّه عَلَى سُلَيْمَان وَلَمْ يَذُمّ دَاوُد ثُمَّ قَالَ يَعْنِي الْحَسَن إِنَّ اللَّه اِتَّخَذَ عَلَى الْحُكَّام ثَلَاثًا لَا يَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَلَا يَتَّبِعُوا فِيهِ الْهَوَى وَلَا يَخْشَوْا فِيهِ أَحَدًا ثُمَّ تَلَا " يَا دَاوُد إِنَّا جَعَلْنَاك خَلِيفَة فِي الْأَرْض فَاحْكُمْ بَيْن النَّاس بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِع الْهَوَى فَيُضِلّك عَنْ سَبِيل اللَّه " وَقَالَ " فَلَا تَخْشَوْا النَّاس وَاخْشَوْنِ " وَقَالَ " وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا " قُلْت أَمَّا الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِمْ السَّلَام فَكُلّهمْ مَعْصُومُونَ مُؤَيَّدُونَ مِنْ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَاف فِيهِ بَيْن الْعُلَمَاء الْمُحَقِّقِينَ مِنْ السَّلَف وَالْخَلَف وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيح الْبُخَارِيّ عَنْ عَمْرو بْن الْعَاص أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه " صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " : " إِذَا اِجْتَهَدَ الْحَاكِم فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اِجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْر " فَهَذَا الْحَدِيث يَرُدّ نَصًّا مَا تَوَهَّمَهُ إِيَاس مِنْ أَنَّ الْقَاضِي إِذَا اِجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَهُوَ فِي النَّار وَاَللَّه أَعْلَم وَفِي السُّنَن : الْقُضَاة ثَلَاثَة قَاضٍ فِي الْجَنَّة وَقَاضِيَانِ فِي النَّار رَجُل عَلِمَ الْحَقّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّة وَرَجُل حَكَمَ بَيْن النَّاس عَلَى جَهْل فَهُوَ فِي النَّار وَرَجُل عَلِمَ الْحَقّ وَقَضَى خِلَافه فَهُوَ فِي النَّار وَقَرِيب مِنْ هَذِهِ الْقِصَّة الْمَذْكُورَة فِي الْقُرْآن مَا رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيّ بْن حَفْص أَخْبَرَنَا وَرْقَاء عَنْ أَبِي الزِّنَاد عَنْ الْأَعْرَج عَنْ أَبِي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه " صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " " بَيْنَمَا اِمْرَأَتَانِ مَعَهُمَا اِبْنَانِ لَهُمَا إِذْ جَاءَ الذِّئْب فَأَخَذَ أَحَد الِابْنَيْنِ فَتَحَاكَمَتَا إِلَى دَاوُد فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى فَخَرَجَتَا فَدَعَاهُمَا سُلَيْمَان فَقَالَ هَاتُوا السِّكِّين أَشُقّهُ بَيْنكُمَا فَقَالَتْ الصُّغْرَى يَرْحَمك اللَّه هُوَ اِبْنهَا لَا تَشُقّهُ فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى " وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِم فِي صَحِيحَيْهِمَا وَبَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيّ فِي كِتَاب الْقُضَاة " بَاب الْحَاكِم يُوهِم خِلَاف الْحُكْم لِيَسْتَعْلِم الْحَقّ " وَهَكَذَا الْقِصَّة الَّتِي أَوْرَدَهَا الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم بْن عَسَاكِر فِي تَرْجَمَة سُلَيْمَان عَلَيْهِ السَّلَام مِنْ تَارِيخه عَنْ طَرِيق الْحَسَن بْن سُفْيَان عَنْ صَفْوَان بْن صَالِح عَنْ الْوَلِيد بْن مُسْلِم عَنْ سَعِيد بْن بِشْر عَنْ قَتَادَة عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس فَذَكَرَ قِصَّة مُطَوَّلَة مُلَخَّصهَا أَنَّ اِمْرَأَة حَسْنَاء فِي زَمَان بَنِي إِسْرَائِيل رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسهَا أَرْبَعَة مِنْ رُؤَسَائِهِمْ فَامْتَنَعَتْ عَلَى كُلّ مِنْهُمْ فَاتَّفَقُوا فِيمَا بَيْنهمْ عَلَيْهَا فَشَهِدُوا عِنْد دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام أَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسهَا كَلْبًا لَهَا قَدْ عَوَّدَتْهُ ذَلِكَ مِنْهَا فَأَمَرَ بِرَجْمِهَا فَلَمَّا كَانَ عَشِيَّة ذَلِكَ الْيَوْم جَلَسَ سُلَيْمَان وَاجْتَمَعَ مَعَهُ وَلَدَانِ مِثْله فَانْتَصَبَ حَاكِمًا وَتَزَيَّا أَرْبَعَة مِنْهُمْ بِزِيِّ أُولَئِكَ وَآخَر بِزِيِّ الْمَرْأَة وَشَهِدُوا عَلَيْهَا بِأَنَّهَا مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسهَا كَلْبًا فَقَالَ سُلَيْمَان فَرِّقُوا بَيْنهمْ فَسَأَلَ أَوَّلهمْ مَا كَانَ لَوْن الْكَلْب فَقَالَ أَسْوَد فَعَزَلَهُ وَاسْتَدْعَى الْآخَر فَسَأَلَهُ عَنْ لَوْنه فَقَالَ أَحْمَر وَقَالَ الْآخَر أَغْبَش وَقَالَ الْآخَر أَبْيَض فَأَمَرَ عِنْد ذَلِكَ بِقَتْلِهِمْ فَحُكِيَ ذَلِكَ لِدَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام فَاسْتَدْعَى مِنْ فَوْره بِأُولَئِكَ الْأَرْبَعَة فَسَأَلَهُمْ مُتَفَرِّقِينَ عَنْ لَوْن ذَلِكَ الْكَلْب فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَقَوْله " وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُد الْجِبَال يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْر" الْآيَة وَذَلِكَ لِطِيبِ صَوْته بِتِلَاوَةِ كِتَابه الزَّبُور وَكَانَ إِذَا تَرَنَّمَ بِهِ تَقِف الطَّيْر فِي الْهَوَاء فَتُجَاوِبهُ وَتَرُدّ عَلَيْهِ الْجِبَال تَأْوِيبًا وَلِهَذَا لَمَّا مَرَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَهُوَ يَتْلُو الْقُرْآن مِنْ اللَّيْل وَكَانَ لَهُ صَوْت طَيِّب جِدًّا فَوَقَفَ وَاسْتَمَعَ لِقِرَاءَتِهِ وَقَالَ : لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِير آلِ دَاوُد " قَالَ يَا رَسُول اللَّه لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَسْتَمِع لَحَبَّرْته لَك تَحْبِيرًا وَقَالَ أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ مَا سَمِعْت صَوْت صَنْج وَلَا بَرْبَط وَلَا مِزْمَار مِثْل صَوْت أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّه عَنْهُ وَمَعَ هَذَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام " لَقَدْ أُوتِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِير آلِ دَاوُد" .
كتب عشوائيه
- مفسدات القلوب [ حب الدنيا ]مفسدات القلوب [ حب الدنيا ]: قال المصنف - حفظه الله -: «ومداخل الشيطان إلى القلب كثيرة، ومنها على سبيل المثال: الحسد، والحرص، والطمع، والبخل، والشُّحّ، والرياء، والعُجب، وسوء الظن، والعجَلة، والطيش، والغضب، وحب الدنيا والتعلق بها ... وسوف نتناول - بمشيئة الله تعالى - هذا المدخل الأخير من مداخل الشيطان في ثنايا هذا الكتاب ضمن سلسلة مفسدات القلوب، وسنعرِض لبيان شيء من حقيقة الدنيا، مع إشارةٍ موجَزة لموقف المؤمنين منها، ثم نذكر ما تيسَّر من مظاهر حب الدنيا، وأسبابه، ومفاسده، وعلاجه».
المؤلف : محمد صالح المنجد
الناشر : موقع الشيخ محمد صالح المنجد www.almunajjid.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/355750
- روح وريحانقالت المؤلفة: من خلال اطلاعي على كتب التفسير المختلفة، وأساليب حفظ القرآن الكريم المتنوعة، أدركت أهمية المعنى وترابط الأفكار في السور في تسهيل وتيسير الحفظ ، حيث أن الإنسان يبقى في ذهنه التصور العام للآيات مهما تمادى به الزمن وإن لم يراجعها بإذن الله تعالى، فعكفت على جمع الموضوعات الأساسية لكل سورة على حدة مستعينة بكتب التفاسير القيّمة ، وقمت بصياغتها بشكل متسلسل مترابط على شكل نقاط متتابعة وأفكار متكاملة، تيسيرا على المسلم الباحث عن وسيلة مبسّطة تعينه على الإلمام بجوّ السورة العام في وقت مقتضب، وكذلك لمساعدة طلاب حلقات القرآن الكريم على تثبيت حفظهم للسور بمراجعتهم لأهم موضوعاتها ومعانيها.
المؤلف : نور مؤيد الجندلي
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/371330
- عيش السعداءعيش السعداء: كل الناس يسعون إلى تحقيق السعادة، ولكن قليلٌ منهم من ينالها، وهم من يسعدون بطاعة ربهم، واتباع نبيهم - صلى الله عليه وسلم -، فيفوزون بجنة الرحمن - سبحانه وتعالى -.
المؤلف : محمد بن عبد الرحمن العريفي
الناشر : موقع الشيخ العريفي www.arefe.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/336157
- سورة الحجرات: دراسة تحليلية وموضوعيةسورة الحجرات: دراسة تحليلية وموضوعية: في هذا الكتاب وقفاتٌ مهمة مع سورة الحجرات؛ حيث تتميَّز هذه السورة بأنها مليئة بالأحكام التي تهم كل مسلمٍ.
المؤلف : ناصر بن سليمان العمر
الناشر : موقع المسلم http://www.almoslim.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/337585
- خمسون وصية ووصية لتكون خطيبا ناجحاخمسون وصية ووصية لتكون خطيبا ناجحا : وقفة مع الخطيب وصفاته، نحاول التعرف على جوانب ثقافته ومصادر أفكاره وأهم المكونات التي تؤثر في إفرازه وإيجاده.
المؤلف : أمير بن محمد المدري
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/142666












