القرآن الكريم » تفسير ابن كثر » سورة هود
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107) (هود)
" خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " قَالَ الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير : مِنْ عَادَة الْعَرَب إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَصِف الشَّيْء بِالدَّوَامِ أَبَدًا قَالَتْ هَذَا دَائِم دَوَام السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ هُوَ بَاقٍ مَا اِخْتَلَفَ اللَّيْل وَالنَّهَار وَمَا سَمَرَ أَبْنَاء سَمِير وَمَا لَأْلَأَتْ الْعِير بِأَذْنَابِهَا. يَعْنُونَ بِذَلِكَ كُلّه أَبَدًا فَخَاطَبَهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا يَتَعَارَفُونَهُ بَيْنهمْ فَقَالَ " خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " قُلْت : وَيَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد بِ " مَا دَامَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " الْجِنْس لِأَنَّهُ لَا بُدّ فِي عَالَم الْآخِرَة مِنْ سَمَاوَات وَأَرْض كَمَا قَالَ تَعَالَى " يَوْم تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض وَالسَّمَاوَات " وَلِهَذَا قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ فِي قَوْله " مَا دَامَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض" قَالَ : يَقُول سَمَاء غَيْر هَذِهِ السَّمَاء وَأَرْض غَيْر هَذِهِ فَمَا دَامَتْ تِلْكَ السَّمَاء وَتِلْكَ الْأَرْض . وَقَالَ اِبْن أَبِي حَاتِم : ذُكِرَ عَنْ سُفْيَان بْن حُسَيْن عَنْ الْحَكَم عَنْ مُجَاهِد عَنْ اِبْن عَبَّاس قَوْله " مَا دَامَتْ السَّمَاوَات وَالْأَرْض " قَالَ : لِكُلِّ جَنَّة سَمَاء وَأَرْض وَقَالَ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ : مَا دَامَتْ الْأَرْض أَرْضًا وَالسَّمَاء سَمَاء. وَقَوْله " إِلَّا مَا شَاءَ رَبّك إِنَّ رَبّك فَعَّال لَمَا يُرِيد" كَقَوْلِهِ " النَّار مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم " وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَاد مِنْ هَذَا الِاسْتِثْنَاء عَلَى أَقْوَال كَثِيرَة حَكَاهَا الشَّيْخ أَبُو الْفَرَج ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابِهِ زَاد الْمَسِير وَغَيْره مِنْ عُلَمَاء التَّفْسِير وَنَقَلَ كَثِيرًا مِنْهَا الْإِمَام أَبُو جَعْفَر بْن جَرِير رَحِمَهُ اللَّه فِي كِتَابه وَاخْتَارَ هُوَ مَا نَقَلَهُ عَنْ خَالِد بْن مَعْدَان وَالضَّحَّاك وَقَتَادَة وَابْن سِنَان وَرَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم عَنْ اِبْن عَبَّاس وَالْحَسَن أَيْضًا أَنَّ الِاسْتِثْنَاء عَائِد عَلَى الْعُصَاة مِنْ أَهْل التَّوْحِيد مِمَّنْ يُخْرِجُهُمْ اللَّه مِنْ النَّار بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ مِنْ الْمَلَائِكَة وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ حَتَّى يَشْفَعُونَ فِي أَصْحَاب الْكَبَائِر ثُمَّ تَأْتِي رَحْمَة أَرْحَم الرَّاحِمِينَ فَتُخْرِج مِنْ النَّار مَنْ لَمْ يَعْمَل خَيْرًا قَطُّ وَقَالَ يَوْمًا مِنْ الدَّهْر لَا إِلَه إِلَّا اللَّه كَمَا وَرَدَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَار الصَّحِيحَة الْمُسْتَفِيضَة عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَضْمُونِ ذَلِكَ مِنْ حَدِيث أَنَس وَجَابِر وَأَبِي سَعِيد وَأَبِي هُرَيْرَة وَغَيْرهمْ مِنْ الصَّحَابَة وَلَا يَبْقَى بَعْد ذَلِكَ فِي النَّار إِلَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُلُود فِيهَا وَلَا مَحِيد لَهُ عَنْهَا , وَهَذَا الَّذِي عَلَيْهِ كَثِير مِنْ الْعُلَمَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا فِي تَفْسِير هَذِهِ الْآيَة الْكَرِيمَة . وَقَدْ رُوِيَ فِي تَفْسِيرهَا عَنْ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَأَبِي هُرَيْرَة وَعَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَجَابِر وَأَبِي سَعِيد مِنْ الصَّحَابَة وَعَنْ أَبِي مِجْلَز وَالشَّعْبِيّ وَغَيْرهمَا مِنْ التَّابِعِينَ وَعَنْ عَبْد الرَّحْمَن بْن زَيْد بْن أَسْلَمَ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وَغَيْرهمَا مِنْ الْأَئِمَّة فِي أَقْوَال غَرِيبَة وَوَرَدَ حَدِيث غَرِيب فِي مُعْجَم الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير عَنْ أَبِي أُمَامَة صُدَيّ بْن عَجْلَان الْبَاهِلِيّ وَلَكِنَّ سَنَده ضَعِيف وَاَللَّه أَعْلَم . وَقَالَ قَتَادَة : اللَّه أَعْلَم بِثُنْيَاهُ ; وَقَالَ السُّدِّيّ هِيَ مَنْسُوخَة بِقَوْلِهِ" خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا " .
كتب عشوائيه
- شرح نظم الورقات في أصول الفقهفي هذا الكتاب يتناول المؤلف جانبًا من علم أصول الفقه, من خلال كتاب نظم الورقات للعمريطي الذي نظمه في كتاب الورقات لإمام الحرمين, مبتدئًا بما جاء في المنظومة بالشرح والبيان لكلمة أصول الفقه وأقسام الكلام، والأمر والنهي، والعام والخاص، والمجمل والمبين، والنسخ، وما جاء في التعارض بين الأدلة والترجيح، والإجماع، والخبر، والقياس، والإفتاء والتقليد والاجتهاد, وغير ذلك مما تجده من جزئيات وتفصيلات وأسئلة من الطلبة يجيب عنها الشيخ ابن عثيمين بالتفصيل والإيضاح.
المؤلف : محمد بن صالح العثيمين
الناشر : دار ابن الجوزي للنشر والتوزيع www.aljawzi.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/190915
- اللمع في أصول الفقهاللمع في أصول الفقه : كتاب يبحث في أصول الفقه الإسلامي، تكلم فيه المصنف عن تعريف أصول الفقه وأقسام الكلام والحقيقة والمجاز، والكلام في الأمر والنهي والمجمل والمبين، والنسخ والإجماع، والقياس، والتقليد، والاجتهاد، وأمور أخرى مع تفصيل في ذلك.
المؤلف : أبو إسحاق الشيرازي
الناشر : موقع أم الكتاب http://www.omelketab.net
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/141399
- وجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرهاوجوب العمل بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفر من أنكرها: هذه الرسالة تبين وجوب العمل بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وكفر من أنكرها.
المؤلف : عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الناشر : موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/102358
- كشف الشبهات في التوحيدكشف الشبهات: رسالة نفيسة كتبها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وهي عبارة عن سلسلة شبهات للمشركين وتفنيدها وإبطالها، وفيها بيان توحيد العبادة وتوحيد الألوهية الذي هو حق الله على العباد، وفيها بيان الفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية والعبادة.
المؤلف : محمد بن عبد الوهاب
الناشر : وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد - موقع الإسلام http://www.al-islam.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/1875
- نظم الآجرومية لعبيد ربه الشنقيطينظم الآجرومية لعبيد ربه الشنقيطي المتوفى في أوائل القرن الثاني عشر الهجري، وقد قام بنظم المقدمة الآجرومية لأبي عبدالله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف بـابن آجروم، وهو متن مشهور في النحو، قد تلقاه العلماء بالقبول؛ وهذا النظم يعد أوجز المتون التي عُني فيها أصحابها بمتن المقدمة الآجرومية، ويمتاز بسلاسته وعنايته بالأمثلة التطبيقية.
الناشر : موقع المتون العلمية http://www.almtoon.com
المصدر : http://www.islamhouse.com/p/335287